زوجة عقيم

14 يونيو 2023

(صفوان داحول)

+ الخط -

جريمة مروّعة اقترفتها زوجة أب بحق ابن الزوج، حيث دفع طفل صغير في الثانية من عمره حياته ثمنا لغيرة النساء، سببها أن زوجة الأب التي اقترفت جريمة قتل الطفل عقيم، وقد اشتعل قلبها بنار الغيرة، بسبب عدم قدرتها على إنجاب طفل، فيما وضعت الزوجة الأخرى طفلا ملَك قلب الزوج المشترك، وحقّق له حلم الأبوّة. علماً أن السبب الحقيقي لفرحة الزوج الشرقي بالإنجاب، وإنجاب الذكور خصوصاً، هو حسبما توارثه من مفاهيم وثقافة مجتمعية، وهو أن الذكر هو السند والعزوة، إضافة إلى أن إنجاب الابن الذكر يعني امتداد اسم العائلة وبقاءه، وإن كان الحرص على إنجاب أكثر من ولد هو الغالب، فالرجل الذي يحظى ولو بذكر واحد يطمئن قلبه وترتاح روحُه. ولذلك خيار الزواج الثاني يبقى قائما مع تأخّر حمل الزوجة أو مع إنجاب الزوجة عددا متتاليا من الإناث، على الرغم من أن الطب قد أثبت مسؤولية الرجل عن تحديد جنس الجنين.

دبّت الغيرة في قلب زوجة الأب في غزّة، مثل أي زوجة أب ترى زوجها يلاعب ابن امرأة أخرى ويلاطفه ويدلـله، فقرّرت أن تنهي حياته، فخنقته بيديها بلا وازع من ضمير أو ذرّة شفقة، ثم قرّرت أن تُغرقه في دلو كبير للماء، لكي تخفي جريمتها، ولكي يذهب اعتقاد الجميع أنه قد قضى غرقا بسبب شقاوة الأطفال وفضولهم، خصوصا في الصيف.

ليست الزوجة الأولى تلك المجرمة التي لا نستطيع أن نجد لها مبرّرا واحدا لهذه الجريمة النكراء، فقد أعمَتها الغيرة التي لم تستطع السيطرة عليها فحوّلتها إلى قاتلة. أما قبلها بقرون غابرة، فهناك غيرة حكيمة، فقد طلبت السيدة سارة، زوجة النبي إبراهيم، منه أن يحمل زوجه الثانية هاجر، ويرحل عنها، وذلك بعد أن نهشت الغيرة قلبها لإنجاب ضرّتها الطفل إسماعيل، فلم تطق فرحة إبراهيم ولهفته عليه، على الرغم من أنها هي السبب في زواجه من جاريتها هاجر، فلم تكن هاجر في مكانة سارة، وقد أهدتها لزوجها، وطلبت منه أن يتزوجها لكي يحقق حلمه في أن يصبح أباً، وذلك بعد أن بلغ من الكبر عتيا، وقد تقدّم بها العمر أيضا، ولم يعد لديها أي أمل في أن تُنجب، ولكنها لم تطق بسبب فطرة المرأة على الغيرة، فطلبت منه أن يرحل عنها مع زوجته وابنيْهما.

أما السينما، فقد قدّمت الزوجة العقيم في واحدٍ من أهم أفلام السينما المصرية، إذ صنّف ضمن أفضل مائة فيلم، وهو "الزوجة الثانية"، وحيث ظهرت حفيظة الزوجة الأولى بغيرتها التي لا توصَف بسبب زواج زوجها من أخرى. والحقيقة أن الزوجة الأولى حفيظة يمكن اعتبارها بائسة، على الرغم من كراهية المشاهدين لها لقسوة تصرّفاتها، فقد نهشتها الغيرة على زوجها لأنها تحبّه، ولا تريد أن تستأثر به امرأة أخرى أكثر من اهتمامها بإنجابه طفلا منها. ويبدو أن انسحاب الرجل واهتمامه بالزوجة التي تنجب له الولد هو السبب الذي يشعل نيران الغيرة في قلب الزوجة العقيم، والتي تتحسّر على حب زوجها واهتمامه، وترى أن الطفل الصغير الذي أنجبته الزوجة الولود هو سبب ضياع زوجها منها، فتقرّر الخلاص منه. وإذا كانت السيدة سارة رأت في رحيل زوجها مع طفله وجاريتها حلاً لتريح نفسها المعذّبة، فهناك نساء لسن بحكمة سارة ولا بضميرها، فهي امرأة فقدت الأمل في الإنجاب، وفي الوقت نفسه، لا تطيق رؤية زوجها سعيدا بطفلٍ من جاريتها، فطلبت منه الرحيل. ولكن الزوجة العقيم التي قتلت الطفل ذي العامين في أقصى جنوب قطاع غزّة البائس لم تفكّر إلا في الخلاص منه، لكي ترى بعينيها حرقة قلب أمه وأبيه، ولعل ما توقعت رؤيته يطفئ نار غيرتها، أو أنها تمادت فتوقّعت عودة حب زوجها لها، ولم تتوقّع أن العدالة سوف توقعها في شرّ أعمالها.

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.