زالوجني: الخروج من الجلباب السوفييتي

20 مايو 2023

القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني في كييف (10/3/2023/Getty)

+ الخط -

مساء 12 مايو/ أيار الحالي، أجرى مقدّم البرامج الأوكراني، دميترو كوماروف، مقابلة مع قائد الجيش الأوكراني، فاليري زالوجني، ضمن برنامج "العالم من الداخل إلى الخارج". كانت مقابلة مختلفة بعض الشيء مع شخصٍ وُلد حين كان الاتحاد السوفييتي لا يزال حياً، لكنه لا يتورّع في كل سانحةٍ على العمل لمحوه من الإرث الأوكراني بالكامل.

بدا زالوجني هادئاً معظم المقابلة، التي دامت 50 دقيقة، ساعياً، في الوقت نفسه، إلى إظهار قدرته على فهم لعبة الإعلام. ربما في زمنِ آخر كان ليُقال إن من النادر أن نجد سوفييتياً غير بارد في مقابلة مليئة بالتعابير الإنسانية عن الضحايا الأوكرانيين. خلال المقابلة، شدّد زالوجني مراراً على عامليْن لا ثالث لهما: إزالة كل رواسب العهود السوفييتية، تحديداً من ذهنية الجيش الأوكراني، وتحويل أوكرانيا إلى قلعة محصّنة بالسلاح بعد رحيل الروس.

في العامل الأول، شرح أن تغيير هيكلية الأوامر داخل الجيش الأوكراني ساهم في تسريع عمليات اتخاذ القرارات عملانياً، إذ بات صغار الضباط والجنود قادرين على التواصل مع رأس الهرم العسكري، من دون المرور بتراتبية عسكرية. ومع أنه رفض التهجّم على أسلافه في قيادة جيش أوكرانيا بعد استقلالها في عام 1991، غير أن زالوجني أصرّ على أن مهمته تكمن في جعل الموروثات السوفييتية من الماضي. وفي العامل الثاني، كان واضحاً أن هدفه في جعل الجيش الأوكراني قوة لا يُستهان بها، خصوصاً أنه أثبت شكيمته في الغزو الروسي، لا بدّ من أن تستند إلى الدعم الغربي. وبالتالي، يدور سياق تحوّل الجيش الأوكراني إلى جيش في فلك محور حلف شمال الأطلسي، تجاوز الحاجة إلى ورقة موقّعة وعقود انضمام، فخلال 15 شهراً من الحرب، تخلّص الأوكرانيون من الأسلحة السوفييتية، ثم الروسية، وصار السلاح الغربي ركيزة ترسانتهم.

لم يكتفِ زالوجني بهذا الحدّ، بل تطرّق إلى ما أسماها "الاختلافات الثقافية" بين روسيا وأوكرانيا. وهو في واقع الحال إشكالية لا يُمكن نقاشها في 50 دقيقة. الأكيد أن الخلفية السلافية للروس والأوكرانيين والبيلاروسيين مشتركة بين أجنحة الشعب الواحد، المنبثق من كييفان روس (الاسم القديم لكييف)، وكذلك فإن التاريخ الحديث، بشقّه السوفييتي، بما تضمّنه من عمليات ترانسفير ديمغرافية على أسس قومية وإبادات ممنهجة وأساليب التعليم الموحّدة، يُفترض أن يكون قد رسّخ في عقول كل من يخرُج عن طاعة موسكو، بأنه ينتمي إليها، ولو لم يكن روسياً، إلا أن زالوجني شدّد على وجود ثقافة أوكرانية منفصلة "لا تشبه الروس" وفقاً له.

وبهذه الواقعية غير المتطيّرة، اختصر زالوجني كل الصراعات الأوكرانية ـ الروسية، بدءاً من الانتفاضة الشعرية لأهم شعراء أوكرانيا، تاراس شيفتشنكو، وصولاً إلى ما يُكتب بالدم على الجبهات الشرقية والجنوبية من أوكرانيا في هذه الأيام. وعلى الرغم من كونه العدو رقم اثنين لموسكو، بعد عدوها الأول، الرئيس الأوكراني زيلينسكي، إلا أن زالوجني يحظى باحترام أعدائه، من البروباغانديين الروس إلى مؤسّس "فاغنر" يفغيني بريغوجين. وحتى إنه لا يتأخّر عن التأكيد أن "الشخص الوحيد الذي يقدّره في روسيا هو فاليري غيراسيموف"، قائد الأركان الروسي. وخلال المقابلة، تطرّق زالوجني إلى اتصال ورده عند الساعة الخامسة من فجر 24 فبراير/ شباط 2022، تاريخ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، موضِحاً أن الاتصال أتى من خارج البلاد. وقال له محدّثه: "أنا آسف". لم يكشف زالوجني عن المتصل، لكنه أكد أنه "بعد انتصار أوكرانيا"، سيُفصح عن الاسم. هل يكون غيراسيموف؟ ربما.

ماذا عن انتصار أوكرانيا؟ الأكيد أن تشييد الولايات المتحدة أكبر مستشفى عسكري في قاعدة رامشتاين الألمانية، بقيمة 1.1 مليار دولار، وأن الإنتاج المشترك للدبابات لشركتي راينميتال الألمانية وأوكروبورونبروم الأوكرانية في كييف، يؤكّدان أن الروس عاجزون عن التقدّم، وأن أوكرانيا "ستثبّت" ثقافتها بعيداً عن روسيا.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".