ريعُ الفنِّ في المغرب

14 ابريل 2022

(محمد شبعة)

+ الخط -

مع كلّ رمضان يتجدّد النقاش في المغرب حول الأعمال الفنية، سيما الكوميدية، التي تقدّمها القنوات العمومية بالتزامن مع موعد الإفطار. ويكاد يجمع المغاربة على رداءة معظم هذه الأعمال وضحالتها الفنية والجمالية، وافتقادها الحد الأدنى من الاحترافية في كتابة السيناريو والإنتاج والإخراج، وعجزها عن الخروج عن المواضيع الاجتماعية المكرورة والاشتباكِ بالقضايا الحارقة التي تؤرّق المغاربة، هذا فضلاً عن كلفتها المادية الباهظة. وعلى الرغم من أنّ الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري سبق لها، في بلاغ (بيان) معلوم قبل سنتين، أن شدّدت على ''ضرورة تفعيل الآليات الداخلية المنصوص عليها في دفاتر تحمُّلات متعهدي الاتصال السمعي البصري، خصوصا العموميين، المرصودة لدعم التفاعل مع الجمهور واستطلاع انتظاراته (...)'' ما زالت الأعمال التلفزيونية الرمضانية بعيدة عن الاستجابة لتطلعات طيفٍ عريضٍ داخل المجتمع المغربي.

تعود رداءة الأعمال المعروضة على القنوات العمومية إلى ضعف التنافسية في غياب استراتيجية واضحة لتحرير القطاع السمعي البصري، إذ ما زال هذا القطاع يمثل واجهة لترويج خطاب السلطة وتعبئة الرأي العام، أو قطاع منه على الأقل، حول سياساتها. ولذلك تغيب عنه التنافسية الإنتاجية التي يُفترض أن تعكس التعدّدية اللغوية والجهوية والتنوّع الثقافي داخل المجتمع. ومن المفارقات أن لا تجد شركاتُ إنتاجٍ خاصةٌ بعينها، قادرةٌ على تحمل تكاليف ما تنتجه من أعمال فنية، حرجاً في التنافس على صفقات الإنتاج الدرامي والكوميدي في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، ضمن قواعد لعبةٍ متوافقٍ عليها تضمن احتكارها سوقَ الإنتاج التلفزيوني في شهر رمضان، الأمر الذي يعيد إلى الواجهة سؤال الريع داخل الحقل الإعلامي المغربي والعوائق التي تحول دون تخليقه.

إضافة إلى ذلك، لا تحتكم شركات الإنتاج المعنية إلى معايير فنية وثقافية واضحة في ترشيح الممثلين للأعمال المعروضة. وتكاد لا تحيد عن ممثلين بعينهم، يستحوذون على حصة الأسد من الأدوار في هذه الأعمال، ما يكرّس الريع والمحسوبية وغياب الشفافية في حقلٍ يُفترض أن يكون أحد مداخل التحديث المجتمعي. ولعل ما يبعث على الاستياء أن بعض هؤلاء الممثلين لم يعد في وسعه تحمّل انتقاد الجمهور الأعمال الرديئة التي يشاركون فيها، معتبرين ذلك تضييقاً على حرية التعبير والإبداع. هذا في وقت يحتاجون إلى من يذكّرهم بما ينعمون به من ريعٍ، يُقتطع من أموال دافعي الضرائب من خلال مساهمة مالية شهرية تمرّ عبر فواتير الماء والكهرباء باتجاه ميزانية الإذاعة والتلفزة المغربية. وقد وصل الأمر بممثلةٍ إلى القول، في حوار تلفزيوني معها، إن بإمكان المشاهدين، الذين لا تروقُهم الأعمال المعروضة من القنوات العمومية في رمضان، تغيير القناة أو الاستعاضة عن مشاهدة التلفزيون بالقراءة بدل التذمّر والشكوى، في استخفافٍ بالمغاربة وجهلٍ بمقتضيات الإنتاج التلفزيوني العمومي الذي يُموَّل من المال العام، ويُفترض أنه يُوجَّه إلى الجمهور بمختلف أطيافه.

يمثل المشتغلون في الفن (ممثلون، منتجون، مخرجون ..)، في معظم البلاد العربية، طبقة اجتماعية تكاد تكون مستقلةً بذاتها، بما يكتسبونه من شهرةٍ ونجوميةٍ تفسحان لهم المجال للاستفادة من موارد مادية واجتماعية، تتحوّل، بمرور الوقت، إلى شبكة علاقاتٍ زبونيةٍ نافذةٍ بدوائر السلطة والإعلام والرأسمال. يتعلق الأمر ببنيةٍ هجينةٍ لاقتصاد الفن يُشكل الريع عصبها الأساسيَّ. ويغذّي تجذُّر التقليد داخل المجتمعات العربية هذا الوضع، ويجعل هذا الاقتصاد، مثل غيره من المجالات، مفتقداً العقلانية والشفافية، وبالأخص ما له صلة بمراقبة صرف المال العام، حيث يتحوّل الريع إلى موردٍ رئيس في إنتاج الأعمال الفنية وتسويقها، ويصبح بالنسبة للمشتغلين بالفن غطاءً مكشوفاً لمكاسبهم المادية والاجتماعية التي يحوزونها من المشاركة في أعمالٍ ضحلةٍ لا تحمل من الفن إلّا الاسم.