رسائل متأخّرة جداً
ماذا عليك أن تفعل أمام رسائل متأخّرة جدا، عثرت عليها مصادفةً، وأنت تحاول أن ترتب صندوق البريد الإلكتروني الخاص بك، وكذلك صندوق الرسائل الخاص بتطبيق "فيسبوك". وكأنك، بمحاولة الترتيب هذه، تُجري جردا لعلاقاتك مع نهاية العام، وتكتشف أن هناك رسائل وصلت إليك على بريدك الإلكتروني ضمن خاصية ما يعرف "غير الهام". وأخرى مثلها تكون قد وصلت إليك من خلال خاصية مماثلة على صندوق رسائل "ماسنجر"، وتكتشف أنك لم تفتح تلك الرسائل من الأساس، رغم قدم تاريخها الذي يجعلك تندهش، وتشعر بالأسف لما ستجده فيها، ولكنك لا تستطيع أن تفعل شيئا لأصحابها، لأنها رسائل متأخّرة جدا.
عندما عثرتُ على كومة من الرسائل تطلّ علي بتأنيب صامت، تذكرت مقالا لأحد الكتّاب ممن يعرضون مشكلات القرّاء عن رسائل وصلت إليه متأخرة، ومنها واحدة من سجين يرجوه زيارة أمه العجوز المقعدة، وأن يخبرها أنه بريء وأن إدانته ملفقة. ورغم ذلك، لا يبغى سوى رضاها وقناعتها ببراءته، وحين نظر إلى تاريخ وصول الرسالة، اكتشف أنه قد فتحها بعد شهر من إعدام صاحبها، وكانت ضمن تلال الرسائل التي كانت تصل إليه بواسطة البريد التقليدي المغلقة بمظاريف بيضاء مخطّطة بحوافّ زرقاء، وترك الكاتب القرّاء في حالة ذهول وهو ينصحهم بقوله "لا تتأخّروا، لأنه زار أم السجين ووجدها قد فارقت الحياة كمدا وحزنا".
ضغطتُ على إحدى الرسائل بأصابع مرتعشة، وجدتها من سيدة شابة تطلب مني النصيحة، فيما عليها أن تفعله مع زوج سليط، ولديها عدة أطفال وهي بلا عمل. كتبت اعتذارا سريعا ومتأخرا لها، وقد مر على تلك الرسالة أكثر من ست سنوات، فوجدت ردا مختلفا لا يخلو من عتب من ابنة تلك السيدة التي تخضع للعلاج في مصحة نفسية، فيما ترد ابنتها التي أصبحت في سن المراهقة على رسائل قليلة تصل إلى أمها، ومنها رسالتي. ولم أكن في حاجة لأعرف مدى حاجة تلك السيدة للدعم المعنوي على الأقل، حيث أوصلها عدم وجوده، حتى لو منّي الصديقة الافتراضية، لأن تصاب بضغوط نفسية، وصلت بها إلى إيذاء نفسها وإحداث إصابات بالغة بجسمها، بأظافرها حينا وبأدوات حادّة مثل الدبابيس وشفرات الحلاقة حينا آخر.
رسالة تضامن من سيدة أخرى في أثناء عدوان عام 2014 على غزّة. وتقدّم لي كلمات المواساة والمؤازرة والشعور الطافح بقلة الحيلة، ولكني لم أر رسالتها إلا متأخرا، لأكتشف أنها، وقد كانت تتمنّى لنا الحياة، قد توفيت قبل عامين.
ورسالة ثالثة وجدتها عبر بريدي الإلكتروني من كاتب مصري يردّ على رسالة لوم قاسية وجهتها له بعد أن نشر مقالا عن معارضته عمل المرأة، وأن المرأة التي تعمل لا تستحق أن يقدّم لها زوجها هدية راقت له، وذلك تعقيبا على موقفٍ مرّ به حين كان بصحبة صديقيه، وحيث ابتاع أحدُهما هدية لزوجته التي يصنّفها ربة البيت. أما صديقهما الثالث فلم يفعل، لأن زوجته امرأة عاملة، ولديها ذمتها المالية المستقلة. .. الغريب أن الكاتب المصري الذي وجهت له اللوم توفي بأزمة قلبية مفاجئة. وبقيت سنوات أعتقد تجاهله رسالتي ورأيي، حتى عثرتُ على اعتذاره، وإنه بالفعل ربما كان ظالما في رأيه لأن المرأة العاملة تتعب وتفني نفسها من أجل بيتها، وهي بحاجة لهدية مفاجئة ترفع من روحها المعنوية مهما كانت ثريّة.
ومن رسائل طريفة عثرتُ عليها رسالة من اختصاصية في الطب البديل كما تطلق على نفسها، تنصحني بتدليك رقبتي التي كانت تؤلمني قبل سنوات بزيت الزنجبيل. وحين كتبت لها اعتذارا لتأخّري بشكرها وجدتُها تكتب لي كلمة "سلامتك"، إذا بها مثلي تفقد إحساسها بمرور الوقت على الرسائل. وفي الحقيقة لم تتعافَ رقبتي، لذا عليّ أن أبحث عن زيت الزنجبيل في أسرع وقت.