13 نوفمبر 2024
رابعة خامس: جمهورية الدم
خمس سنوات على مذبحة ميدان رابعة العدوية، والبلاد التي كانت تشبه الأوطان تغوص في مستنقعات الدماء، لا هي تطفو، ولا هي تستقر في القاع، إذ تتخبّط عشوائياً في واقع هش، لم تنجح الصور اللامعة والمهرجانات الفاقعة في تجميله.
خمس سنوات من الدعم السخي الآتي من مموّلي المجزرة ورُعاتها، بالإضافة إلى الإسناد السياسي الهائل من المخطّطين والمحرّضين على المقتلة.. والشهادات الدولية عن التعافي والانطلاق. كل ذلك لم يصنع شيئاً، ولم ينتج حركة إلى الأمام، بل ما زال القتلة ينظرون إلى الوراء، يطاردهم شبح الدماء فيمتلئون رعباً، وبالتبعية يمتلئون إصراراً على مواصلة القتل.
يحاول البلداء التخلص من لعنة الدم بمزيدٍ من الدم، فيكون الحصاد غوصاً أعمق في المستنقع، وانحطاطاً أسرع نحو القاع.
يتحايلون على الذاكرة بكرنفالات المشروعات المسروقة من الأرشيف، مندفعين أكثر نحو إثبات الحقيقة المؤلمة: هم ليسوا إلا أدوات قتلٍ بأيدي الذين قرّروا الإجهاز على فرصة مصر اليتيمة في التحرّر من التبعيّة ومد الأيادي للتسوّل والانسحاق الحضاري الكامل تحت أقدام دافعي تكاليف استمرار المأساة.
كانت رابعة العدوية صرخة المقاومة الأخيرة ضد المشروع الإقليمي لقتل ثورة يناير 2011 والربيع العربي كله، ولذلك كانت وحشية الفضّ، وهمجية المقتلة، وإعلان وفاة الثورة، ومواراة القدرة على الغضب والاحتجاج الثرى، وإعادة مصر إلى الحالة التي يفضّلها المتربّصون بها، فتبقى ذليلة العوز والاحتياج وسؤال العالم إلحافاً.
في الذكرى الخامسة للمذبحة، يعلن السيسي رعايته احتفالاً قومياً بمئوية الشيخ زايد، فتنشر وسائل إعلامه أن الدولة المصرية، ممثلة في الرئاسة، قرّرت أن تقيم احتفالات في أكتوبر/تشرين الأول المقبل لمناسبة مرور مائة عام على ميلاد مؤسس الدولة الراعية للمؤامرة على الثورة المصرية، والتي احتضنت مشروع الانقلاب منذ البداية.
لم يحدث ذلك في تاريخ أي دولةٍ تعرف الحد الأدنى من الكرامة الوطنية. لم نعرف عن احتفالات رسمية على هذا المستوى في ما يتعلق بمئوية جمال عبد الناصر التي مرّت قبل شهور، واقتصر الاحتفال بها على بعض فعاليات لوزارة الثقافة، من دون أن تكون هناك رعاية من الرئاسة، كما لم نقرأ عن إعلانٍ مماثلٍ للاحتفال الرئاسي بمئوية أنور السادات التي تحل هذا العام، على الرغم من أن الجالس في مقرّ الرئاسة، يرتدي وقت اللزوم قميص عبد الناصر وجلباب السادات.
وبصرف النظر عن رأيك السياسي في الاثنين (ناصر والسادات)، فإن المعنى هنا أن ولاء هذا النظام لمن جاءوا به إلى الحكم، ليقول بوضوح إنه واحد ممن يطلق عليهم "عيال زايد"، وليس امتداداً لأي زعامة مصرية سابقة، سواء كانت النظرة إليها إيجابية أم سلبية.
أيضاً، واستباقاً للذكرى الخامسة لمذبحة رابعة العدوية، يعلن العاهل السعودي عن ألف منحة حج جديدة لعائلات ضباط الجيش والشرطة، في رسالةٍ بالغة الدلالة وشديدة التعبير عن الرخص الذي يتردّى فيه النظام الحاكم في مصر، إذ يصبح ملك السعودية المعيار المحدّد لمن يستحق المكافأة في مصر، ومن لا يستحق، هو الذي يختار ويقرّر لمن تذهب العطايا، ليُزاح الستار عن مهانةٍ وطنيةٍ، تنطق بأن رئيس مصر مرؤوسٌ من سلطةٍ أعلى، لم تكلف نفسها الحرص على توفير شكلٍ كريم للهدية، كأن تضع الألف منحة حج تحت تصرّف الحكومة المصرية، توزّعها بمعرفتها، وتمارس سلطتها في الاختيار.
هذا أيضاً، جرى ويجري على نحو أكثر إهانةً في ميدان الرياضة المصرية. وهو ذاته ما تراه في الفن وفي الثقافة. ويحدث ذلك كله انعكاساً لما يدور في قمة الهرم.
خمس سنوات من الدعم السخي الآتي من مموّلي المجزرة ورُعاتها، بالإضافة إلى الإسناد السياسي الهائل من المخطّطين والمحرّضين على المقتلة.. والشهادات الدولية عن التعافي والانطلاق. كل ذلك لم يصنع شيئاً، ولم ينتج حركة إلى الأمام، بل ما زال القتلة ينظرون إلى الوراء، يطاردهم شبح الدماء فيمتلئون رعباً، وبالتبعية يمتلئون إصراراً على مواصلة القتل.
يحاول البلداء التخلص من لعنة الدم بمزيدٍ من الدم، فيكون الحصاد غوصاً أعمق في المستنقع، وانحطاطاً أسرع نحو القاع.
يتحايلون على الذاكرة بكرنفالات المشروعات المسروقة من الأرشيف، مندفعين أكثر نحو إثبات الحقيقة المؤلمة: هم ليسوا إلا أدوات قتلٍ بأيدي الذين قرّروا الإجهاز على فرصة مصر اليتيمة في التحرّر من التبعيّة ومد الأيادي للتسوّل والانسحاق الحضاري الكامل تحت أقدام دافعي تكاليف استمرار المأساة.
كانت رابعة العدوية صرخة المقاومة الأخيرة ضد المشروع الإقليمي لقتل ثورة يناير 2011 والربيع العربي كله، ولذلك كانت وحشية الفضّ، وهمجية المقتلة، وإعلان وفاة الثورة، ومواراة القدرة على الغضب والاحتجاج الثرى، وإعادة مصر إلى الحالة التي يفضّلها المتربّصون بها، فتبقى ذليلة العوز والاحتياج وسؤال العالم إلحافاً.
في الذكرى الخامسة للمذبحة، يعلن السيسي رعايته احتفالاً قومياً بمئوية الشيخ زايد، فتنشر وسائل إعلامه أن الدولة المصرية، ممثلة في الرئاسة، قرّرت أن تقيم احتفالات في أكتوبر/تشرين الأول المقبل لمناسبة مرور مائة عام على ميلاد مؤسس الدولة الراعية للمؤامرة على الثورة المصرية، والتي احتضنت مشروع الانقلاب منذ البداية.
لم يحدث ذلك في تاريخ أي دولةٍ تعرف الحد الأدنى من الكرامة الوطنية. لم نعرف عن احتفالات رسمية على هذا المستوى في ما يتعلق بمئوية جمال عبد الناصر التي مرّت قبل شهور، واقتصر الاحتفال بها على بعض فعاليات لوزارة الثقافة، من دون أن تكون هناك رعاية من الرئاسة، كما لم نقرأ عن إعلانٍ مماثلٍ للاحتفال الرئاسي بمئوية أنور السادات التي تحل هذا العام، على الرغم من أن الجالس في مقرّ الرئاسة، يرتدي وقت اللزوم قميص عبد الناصر وجلباب السادات.
وبصرف النظر عن رأيك السياسي في الاثنين (ناصر والسادات)، فإن المعنى هنا أن ولاء هذا النظام لمن جاءوا به إلى الحكم، ليقول بوضوح إنه واحد ممن يطلق عليهم "عيال زايد"، وليس امتداداً لأي زعامة مصرية سابقة، سواء كانت النظرة إليها إيجابية أم سلبية.
أيضاً، واستباقاً للذكرى الخامسة لمذبحة رابعة العدوية، يعلن العاهل السعودي عن ألف منحة حج جديدة لعائلات ضباط الجيش والشرطة، في رسالةٍ بالغة الدلالة وشديدة التعبير عن الرخص الذي يتردّى فيه النظام الحاكم في مصر، إذ يصبح ملك السعودية المعيار المحدّد لمن يستحق المكافأة في مصر، ومن لا يستحق، هو الذي يختار ويقرّر لمن تذهب العطايا، ليُزاح الستار عن مهانةٍ وطنيةٍ، تنطق بأن رئيس مصر مرؤوسٌ من سلطةٍ أعلى، لم تكلف نفسها الحرص على توفير شكلٍ كريم للهدية، كأن تضع الألف منحة حج تحت تصرّف الحكومة المصرية، توزّعها بمعرفتها، وتمارس سلطتها في الاختيار.
هذا أيضاً، جرى ويجري على نحو أكثر إهانةً في ميدان الرياضة المصرية. وهو ذاته ما تراه في الفن وفي الثقافة. ويحدث ذلك كله انعكاساً لما يدور في قمة الهرم.