دولة فلسطين حين تفضحنا مجدداً

24 ابريل 2021
+ الخط -

لا ترأف بنا مواقع إخبارية عالمية مرموقة ووكالات دولية، حين تتجنب ذكر اسم "دولة فلسطين" في الأسطر الأولى لأخبارها عن تجريد سورية من "حقوقها وامتيازاتها" (حق التصويت والترشح داخل المنظمة بشكل أساسي) في "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية" يوم الأربعاء الماضي، عقاباً على استخدام سلطتها الأسلحة الكيميائية لقتل السوريين. موقعا "فرانس 24" الفرنسي و"دويتشه فيله" الألماني نموذجان عن الرأفة في غير محلها. ربما كان تجاهل قرار التعاطي مع تصويت فلسطين ضد معاقبة عصابة دمشق نابعاً عن استخفافٍ إعلامي بمقاطعة محمود عباس التي تسمّي نفسها دولة، حين يحضر اسمها إلى جانب آخرين، مثل إيران وروسيا والصين. وربما يكون قراراً من محرِّر صحافي شعر بالخجل من دعم سلطة تتحدّث باسم شعب محتل نظاما يبيد شعبه، وتطلب، في الآن نفسه، من العالم دعمها للتحرّر، فقال في نفسه تجاهل هذا التفصيل في الخبر، ولن يلومنّك أحد مهنياً. وربما أخيراً يكون التغاضي عن ذكر تصويت فلسطين هو نتيجة اعتباره من قبل سياسة التحرير في الموقعين المذكورين أعلاه، سلوكاً طبيعياً للغاية، أي أنه لا خبر مثيراً فيه، بما أنه يتسق مع الموقف الفلسطيني الرسمي العريق في دعم أعتى الأنظمة وأكثرها دموية في محطات تاريخية عديدة: دعم احتلال صدام حسين الكويت. الشد على يد جزار من وزن سلوبودان ميلوسيفيتش. تأييد بشار الأسد ضد "المؤامرة" التي تستهدفه منذ 2011. اجترار كل الشتائم بحق الانتفاضات العربية. رسائل الحب الكثيرة لمجرم مثل معمر القذافي ولإدارة نظام عبودية من صنف الحزب الشيوعي الصيني ... واللائحة تطول من دون حاجة للعودة إلى ما قبل سقوط الستار الحديدي.

غير أن الأسباب الثلاثة، وإن جُمعت في عبارة واحدة، لا تفعل شيئاً في تغيير الحقيقة: دولة فلسطين هي السلطة العربية الوحيدة (إلى جانب حكام دمشق طبعاً) التي قالت في تصويتها، علناً: نحن مع إبادة الشعب السوري. هذا صحافياً. أما أخلاقياً، فيتساوى الجرم الفلسطيني الرسمي مع أرمينيا وبيلاروسيا وبوليفيا والصين وإيران وكازاخستان وقرغيزستان وميانمار ونيكاراغوا وباكستان وروسيا وطاجيكستان وزيمبابوي، وهي البلدان الـ13 التي دعمت سورية التي أيدت نفسها طبعاً في التصويت. أما سياسياً، فهناك الكلام القاسي الذي لا بد أن يُقال: تخيل مواطناً في السويد أو جنوب أفريقيا أو أستراليا أو الهند، يقرأ ما تيسر من أخبار ويتابع الحد الأدنى من أنباء الشأن العام العالمي، قرأ الخبر، وأدرك أن "دولة" الشعب الفلسطيني المستعمَر أيدت بشار الأسد في قصف شعبه بمختلف أصناف السلاح الكيميائي. كيف يخطر في بالنا كبشر أن يتضامن هذا المواطن مع قضية التحرّر الفلسطينية؟ لماذا نتصوّر أن على هذا الأخ أو الأخت أن يجريا أبحاثهما ليفهما أن الفلسطينيين ليسوا جميعاً مؤيدين لخيارات سلطةٍ تتحدث باسمهم، وليسوا في غالبيتهم معترفين أصلاً بمثل تلك السلطة؟ بأي منطق يُطلب من أي إنسان في العالم أن يؤيد قيام دولة جديدة في هذا العالم، إن كان سلوكها في المنظمات الدولية وفي المواقف الخارجية مشابهاً لما تورّطنا بها سلطة رام الله منذ ما قبل استقرارها في الضفة الغربية؟

للممتنعين عن التصويت فصول أخرى من الحكاية. الخبر الوحيد المفاجئ أن دولة الإمارات لم تضع توقيعها في قائمة الرافضين لمعاقبة حكام دمشق رمزياً. اكتفت بمنزلة الحياد الأقرب إلى تأييد المجرم. المنطق والتسلسل السياسي واستعراض المواقف والنظرة إلى العالم، كلها تضع أبو ظبي نظرياً في موقع المدافع عن آل الأسد والزمرة. أغلب الظن أن مسؤولي الدولة الخليجية تردّدوا حيال التصويت. تعويم الأسد شعارهم، كذلك إعادة مقعد سورية في جامعة الدول العربية وجرّ ما أمكن من عواصم عربية إلى إعادة افتتاح سفاراتها في دمشق. في المقابل، ليس سهلاً التصويت ضد قرار قدمته فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. لن يكون مفهوماً بالنسبة لجيران الإمارات تفسير تصويتٍ بـ لا وأنتَ تصرخ ليل نهار "احمونا من الاحتلال الإيراني". هي الصعوبة ذاتها في جعل تصويت فلسطين لمصلحة نظام الأسد في جملة واحدة مع نداءات طلب التضامن العالمي مع إحدى آخر قضايا التحرّر الوطني في العالم.