دروس طرد الإسرائيليين من القمّة الأفريقية

22 فبراير 2023

مشهد من جلسة افتتاح مؤتمر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا (18/2/2023/فرانس برس)

+ الخط -

لم يكن الإسرائيليون الذين طردوا من قاعة مؤتمر الاتحاد الأفريقي الأخير في أديس أبابا وفداً رسمياً مدعواً للحضور، بل كانوا متسلّلين مارسوا ما وجدوا عليه حكوماتهم في التسلّل إلى هذه القارّة، مستغلين فقرها وحاجتها لمن يأخذ بيدها للتنمية. وإذ يعدّ انضمام دولة الاحتلال إلى الاتحاد بصفة مراقب أمراً غير متوافق عليه بين الأعضاء، فإن عدم حسم هذا الأمر قد يزيد الانقسام الذي ظهر في القمة قبل السابقة، ما يُربح الإسرائيليين ولا يفيد الأفارقة. ويثير تسلّل ممثلة الإسرائيليين التي لم تكن مدعوّة التساؤل بشأن النظرة الدونية التي تنظر بها دولة الاحتلال إلى القارّة الأفريقية، وكذلك بشأن حجم الحضور الإسرائيلي في القارّة وحقيقة الدور الإسرائيلي فيها، وما يمكن أن تحقّقه الدول الأفريقية من العلاقة معها، خصوصاً في ظل وجود دول أفريقية تعارض سياسة الإسرائيليين والعلاقة معهم، وتدعو إلى تسوية الصراع بينهم وبين الشعب الفلسطيني.
وتبين أن الدعوة لم توجّه إلى الإسرائيليين لحضور المؤتمر ولا للشخصية التي حضرت الاجتماع، وهي نائبة المدير العام للشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية الإسرائيلية، ما شكَّل فرصةً للجزائر وجنوب أفريقيا لإثارة الموضوع وطرد الوفد. وكانت الجزائر وجنوب أفريقيا، إضافة إلى دول أفريقية أخرى، قد عارضت القرار المثير للجدل، والذي فاجأ رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقي محمد، الجميع حين اتخذه، في يوليو/ تموز 2021، والذي منح بموجبه دولة الاحتلال صفة مراقب، معتبرينه خطوة منفردة وغير مبرّرة، وتحتاج تصويت الأعضاء خلال قمة الاتحاد. وفي حين برّرت جنوب أفريقيا رفضها الأمر على لسان وزارة خارجيتها، والتي قالت يومها في بيان إن القرار "مثيرٌ للصدمة، لأنه جاء في العام الذي تعرض فيه الشعب الفلسطيني المضطهد لقصفٍ مدمّر، وجاء في ظل استمرار الاستيطان الإسرائيلي غير القانوني على أراضيه"، تحجّج فقي بأن القرار يساعد في إحلال السلام. وهو ما لم يحدُث حين طبَّعت دولٌ عربية علاقاتها مع هذا الكيان، متذخذة الحجّة ذاتها لتبرير خطوتها.

بات موضوع منح الإسرائيليين صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي بمثابة الهاجس المخيّم على أعمال كل قمة، وربما مصدر وجع رأس للجميع

معروفٌ أن لأفريقيا مكانة لدى الإسرائيليين الذين يستغلون قوتهم وضعفها ليسهل عليهم تنفيذ سياساتهم هناك. ويتوجّه الإسرائيليون إليها بدافع من التفوّق العلمي والاقتصادي الذي يتوفر لهم، بهدف الاستثمار في اقتصادات ضعيفة لمحاولة مساعدتها على النجاح في المجالات الاقتصادية وغيرها، ومن أجل تحقيق مكاسب مضاعفة من ذلك. وكانت عيون الإسرائيليين تنصبّ دائماً على ثروات القارّة ومواردها الباطنية وأسواقها، مثلهم في ذلك مثل أي قوةٍ توجّهت إلى أفريقيا، سواء من الاستعمار الأوروبي التقليدي، ثم الاستعمار غير المباشر الذي تلاه حين نالت دول القارّة استقلالها، وصولاً إلى السنوات الأخيرة التي شهدت دخول الصين وروسيا على خط الاستثمار في ثروات بلدان القارّة واستغلالها، غير أن الإسرائيليين زادوا على الجميع، باهتمامهم بالجانب السياسي لتشكيل تحالفاتٍ مع دول القارّة، ودعمها لوجستيا وعسكرياً وتكنولوجياً، علاوة على تقديم المشورة في مسألة المياه وبناء السدود، علاوة على الدور الأهم المعروف عنهم تاريخياً، وهو دعم ديكتاتوريي القارّة ضد شعوبهم، لضمان دعم هذه الدول الموقف الإسرائيلي في هيئات المجتمع الدولي. ويريد الإسرائيليون لهذا كله أن يصبّ في صالح تعزيز موقفهم في قضية الصراع مع الشعب الفلسطيني، لإضعاف قضيته وحرمانها من مؤيدين لها.
بات موضوع منح الإسرائيليين صفة مراقب بمثابة الهاجس المخيّم على أعمال كل قمة، وربما مصدر وجع رأس للجميع. ففي القمّة التي انعقدت سنة 2022، والتي تلت منح موسى فقي محمد دولة الاحتلال صفة المراقب، علق الاتحاد الأفريقي جلسة النقاش التي خصّصت لبحث سحب الصفة منها، وذلك منعاً لانقسامٍ محتملٍ في هذا الاتحاد في إثر التصويت عليه. أما في ختام القمة في 19 فبراير/ شباط الجاري، فقد أعلن فقي عن تعليق القرار "حتى يتم بحث هذا الإجراء عبر لجنة خاصة". وقال محللون إن التعليق نابعٌ من خشية الانقسام في المواقف حيال القرار، وإمكانية أن يؤدّي إلى إحداث خلاف عميق يهدد مستقبل الاتحاد، بسبب الرفض القاطع له من جهة الجزائر وجنوب أفريقيا والكاميرون والكونغو الديمقراطية ونيجيريا. 

يؤكّد الموقفان الجزائري والجنوب أفريقي أن هنالك إمكانية للدول في أن تستمر في الوجود من دون تطبيع مع الإسرائيليين

يؤكّد هذا المشهد على ما درجت عليه جنوب أفريقيا، منذ إعلان نهاية نظام الفصل العنصري في بريتوريا، سنة 1994، في الوقوف إلى جانب حقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. كما يعدّ استمراراً لسياستها في ربط موضوع منح دولة الاحتلال صفة مراقب باستعداد الأخيرة للتفاوض على خطة سلام مع الطرف الفلسطيني من دون شروط مسبقة. ومعروفٌ عن جنوب أفريقيا موقفها التاريخي من القضية الفلسطينية، والذي لخّصته مقولة زعيمها الراحل، نيلسون مانديلا: "إننا نعتقد جيداً أن حريتنا لا تكتمل إلا بحرّية الفلسطينيين". وهو موقفٌ ينطلق من رفض سياسة الفصل العنصري التي ينتهجها الإسرائيليون في التعامل مع الشعب الفلسطيني، معلنين أن جنوب أفريقيا التي عانت عقوداً من نظامٍ كهذا، وتخلّصت منه بعد معاناة كبيرة ونضال طويل، لا يمكنها القبول به للآخرين. 
من ناحية أخرى، يؤكّد الجزائريون، والذي كان لوفدهم الفضل في اكتشاف تسلّل الإسرائيليين إلى قاعة المؤتمر، اختلاف موقفهم من الكيان الإسرائيلي عن موقف الدول العربية التي طبّعت علاقاتها معه، وكذلك عن الدول العربية التي غاب صوتها في مؤتمر الاتحاد أخيرا حيال مسألة منح صفة المراقب للإسرائيليين. كما يؤكّد الموقفان الجزائري والجنوب أفريقي أن هنالك إمكانية للدول في أن تستمر في الوجود من دون تطبيع مع الإسرائيليين، فرفض التطبيع لن يميت الدول العربية والأفريقية التي لم تطبّع، كما أنه لن يعلي من شأن الدول المطبّعة أو يقوّيها أو يمسك بيدها إلى التنمية والتقدّم التكنولوجي والاقتصادي، كما ظنت الدول التي طبَّعت قبل عقود، والتي دَرَج إعلامها سنوات على ترويج هذه السردية.

46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.