دبلوماسية الكفتة تواجه الاتحاد الأوروبي
يسلك النظام المصري وكأنه شخص مصاب بداء التوحّد، هو الكامل الخالي من العيوب، والآخرون ناقصون من ذوي العاهات. ومن ثم لا غرابة في أن يمسك فيلق السلطة الانقلابية بالعصا، ويتصرف كمعلم يلقن أوروبا دروساً في الديمقراطية وحقوق الإنسان، بعد أن بعثته العناية الإلهية لكي ينقلها من ظلام التخلف الاستبدادي العسكري إلى نور التحضر والحكم المدني الحر.
رد فعل السلطة المصرية والعاملين في مطبخها واللاهين في فنائها الخلفي، على بيان الاتحاد الأوروبي، المتضمن قراراً بعدم إرسال بعثة مراقبين للانتخابات النيابية يؤشر، بوضوح، إلى أننا بصدد نظام رضي ببلادته ورضيت بلادته به، فلم يعد يرى معايير للخطأ والصواب، وللحق والباطل، وللحقيقة والوهم، إلا معاييره هو.
مشكلة هذه السلطة أنها ترى الجميع وكأنهم جماهير سيرك الثلاثين من يونيو/حزيران، سواء كان الأمر يتعلق بالسياسة أو بالاقتصاد أو بالعلم والتكنولوجيا، فالنظام الذي يقصي عالم "ناسا"، الدكتور عصام حجي، ليفتح مجالاً لعبد العاطي مخترع الكفتة، هو نظام يعتنق خلطة عجيبة من الدجل والتدليس والخرافة مذهباً وحيداً في الحياة.
والنظام الذي يدين بعقيدة الإنكار فقط، من الطبيعي جداً أن يصنع الأكذوبة بنفسه، ثم من كثرة ترديدها والإلحاح عليها، يعتبرها حقيقة ومن المسلّمات. وليس أدل على ذلك من تبني مؤسسة الحكم العسكري أكبر فضيحة علمية في تاريخ البشرية، على أنها فتح جديد واكتشاف لم يسبقها إليه أحد، للقضاء على ثلاثية المرض والجهل والفقر. ثم حين يفضح علماء الكون كله هذه الجريمة العلمية (أعني اختراع الكفتة) لا تفكر هذه المؤسسة أبداً في الاعتذار، أو تبحث لها عن واد قصي تخبئ فيه عارها الحضاري، بل أمعنت في اتخاذها الدجل والخرافة طريقاً وحيداً، واتهمت كل منتقدي اختراعها الكاذب بأنهم يحقدون على مصر، ويخشون انطلاقتها على طريق الريادة العلمية، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، حين صورت لجمهورها البائس أن أميركا وأوروبا وكل دول النهضة العلمية يحاربون الاختراع المصري الجبار.
ولو دققت في رد الحكومة المصرية على قرار الاتحاد الأوروبي بشأن عدم مراقبة الانتخابات القادمة، لأسباب تتعلق بتغييب الحريات وحقوق الإنسان، ستكتشف أن الذهنية التي صنعت الحملة الرسمية للدفاع عن اختراع علاج الإيدز بالكفتة هي التي صاغت بينات الرد على القرار الأوروبي.
وكما تأسست حملة رفض التشكيك في جهاز عبد العاطي على أن الدنيا كلها جاهلة، ولا تفهم في العلم والاختراعات، جاءت حملة الرد على قرار الاتحاد الأوروبي، مستندة إلى أن أوروبا لا تفهم في الديمقراطية، ولا تعرف أصول الانتخابات الحديثة، وكل ما تعرفه هو الدفاع عن الشواذ وإهانة الأديان، كما ذهب بيان وزارة الخارجية المصرية المحمّل بقرائن وأدبيات العالم الفذ الجنرال عبد العاطي، وهو ينافح عن جهازه العجيب.
وتبقى النكتة الحقيقية في الرد الدبلوماسي المصري أنه يصف القرار الأوروبي بأنه "يثير حفيظة وغضب الرأي العام المصري، بسبب الإصرار على فرض إملاءاتٍ، وقيم بعيدة كل البعد عن طبيعة المجتمع المصري، بما في ذلك تناول أمور تتعلق بحقوق الشواذ، والمطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام، والسماح بالإساءة للأديان، تحت دعاوى حرية التعبير".
ولو قارنت بين العبارة الأخيرة وما صدر عن جنرال مصر خلال الأيام الماضية، قبل حادثة شارلي وبعدها، من تصريحات تضمنت تحريضاً على مليار وستمائة مليون مسلم، يهددون العالم بنصوصهم المقدسة التي تعادي الدنيا وتزدري الحضارة، ثم أمعنت النظر في ملامح وزير خارجية مصر وهو ينتحب بالفرنكفونية الفصيحة في جنازة "شارلي إيبدو"، ستدرك أن هذا نظام تفاقمت حالته من التوحد إلى الشيزوفرينيا الحادة التي لا شفاء منها.
إن نظاماً وصل به الانفصال عن الواقع إلى أن يعتبر الاتحاد الأوروبي "يرى مصر بعيون جماعة الإخوان، وليس بعيون محايدة"، وقبل ذلك اتهم "العفو الدولية" و"هيومان رايتس ووتش" وباراك أوباما وشقيقه بـ"التأخون"، لهو نظام يستحق فوراً أن يوضع على جهاز الجنرال عبد العاطي.