دبابات أبرامز وليوبارد في أوكرانيا

29 يناير 2023
+ الخط -

لعبت الدبابات الدور الأهم في الحروب التقليدية خلال القرن العشرين. وقد شكلت معركة كورسك في الحرب العالمية الثانية، بين قوة مدرّعة سوفييتية وأخرى ألمانية، الحد الفاصل في تغير ميزان القوى في الحرب لصالح السوفييت، فقد خاضت الدبابات أكبر معارك التاريخ، حيث وُجِدت على أرض المعركة ثلاثة آلاف دبابة ألمانية، وضِعفُ هذا العدد من الدبابات السوفييتية. بدأت المعركة بهجوم ألماني بالدبابات جرى احتواؤه بعد خسائر سوفييتية فادحة، ثم تحوّل السوفييت إلى الهجوم بالدبابات أيضاً، وانجلت المعركة عن انتصار سوفييتي حاسم، لم تقم بعده قائمة للجيش الألماني، الذي بدأ تراجعاً درامياً عبر الأراضي المحتلة في أوروبا، ولم تتوقف الدبابات السوفييتية حتى وصلت إلى معقل هتلر في قلب برلين.

كان الفضل الأول في هذا الانتصار للدبابة التي عمل عليها السوفييت بكثافة، وجرى تصنيع أعداد هائلة منها كفلت لهم في النهاية النصر الكبير، لكنّ مفهوم الدبّابة العسكري هجومي أصلاً، ففكرتها تتلّخص في نقل عتاد ثقيل إلى الخطوط المتقدمة بأفضل سرعة ممكنة وبأقل خسائر، وتُرجمت هذه الفكرة لكتلة فولاذ ضخمة محمّلة بالأسلحة وأجهزة الإرشاد والتوجيه، يقودها عدة أشخاص، ولا تزال هذه الفكرة في أذهان القيادة الروسية. ولذلك عبّر مسؤولون روس بوضوح عن خشيتهم من وصول دبابات إلى أوكرانيا، لأنّ هذا يعني أن الجيش الأوكراني قد يتحوّل إلى الهجوم عند امتلاكه العدد المطلوب منها.

طفا حديث الدبابات على السطح بعد أن عاد الجيش الروسي ليُحرز بعض التقدّم في الشرق، عقب مرحلة من المدّ الأوكراني الكاسح الذي استعاد فيه جزءاً كبيراً من أراضيه المحتلة. أعلنت مجموعة فاغنر عن تقدّمها إلى بلدة سوليدار وسيطرتها عليها بالكامل، ودقّ هذا الإعلان الخطر في الدوائر الغربية، وخشيةً من عودة التمدّد الروسي. وطالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالدبابات الغربية القادرة على أخذ زمام المبادرة، والعودة إلى سوليدار، ومنها إلى تحرير باقي الأراضي الأوكرانية. تردّد الغرب قليلا قبل أن يستجيب للطلب الأوكراني، ثم بدأ بالفعل في إرسال بعض الدبابات المتوفرة في مخازنه، وهي أعداد تنقص كثيرا عن العدد الذي حدّده زيلينسكي. ولكن لهذه الخطوة معنى سياسيا يتعدّى مجرّد الموافقة على إرسال مزيد من الأسلحة، بل التوكيد على أن الحرب ما زالت ذات شكل تقليدي. ويشكّل وجود الدبابة العمود الفقري في هذا التوكيد، فهذا الكيان العسكري كان الأساس في كل حروب القرن الماضي التقليدية. وتوريد الدبابات اليوم لا يتعدّى وظيفة استعادة الأرض التي خسرها زيلينسكي، ولكن السياسيين الروس، وكما هو متوقع، التقطوا الإعلان عن إرسال الدبابات واعتبروه خرقا لقواعد موضوعة وتهديدا مباشرا. أما ردّهم فلم يتجاوز إظهار الحنق والغيظ من الخطة الغربية الجديدة.

لا يوجد تغيير كبير في القواعد التي أرسيت بين الغرب وروسيا في الحرب الأوكرانية، فقد كان الغرب يرسل دبابات روسية الصنع من مخزونه السابق، وهي دباباتٌ يعرف الأوكرانيون كيفية التعامل معها، والدبابات الجديدة لن تبدّد التعطّش الروسي إلى مزيد من الحرب، ولم تحقق شيئا من أهدافها بعد، والغرب بدوره يتابع ويراقب، وهو حريص على عدم سقوط أوكرانيا، وحريص أكثر على عدم توسيع نطاق الحرب بما يتعدّى الأسلوب الكلاسيكي لحروب القرن الماضي، بحيث يبقي الروس منشغلين إلى أقصى حد بتعداد خسائرهم أو بالتخطيط لمزيد من الهجمات، كما أن استمرار الحرب يحرم الروس من كثير من أسلحتهم، أو يخفّف من فاعليتها، كسلاح الغاز المصدر إلى الغرب الذي كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشهره دائماً، فقد تم في الفترة الماضية تخليق بدائل فعلية، وهناك إمكانية لزيادتها، وقد أمنت هذه البدائل لأوروبا طاقةً خلال الأشهر الطويلة التي استغرقتها الحرب، ومزيدٌ من الوقت يعني مزيداً من تحييد روسيا، أما دبابات أبرامز وليوبارد التي انتشر خبر توريدها أخيرا فهي عامل إطالة أكيد للحرب.