خلط الأوراق في هجوم موسكو
لا يمكن تحديد العلاقة المباشرة بشكل قطعي بين إعلان فوز فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية الروسية أخيرا والعملية التي تبناها تنظيم داعش خراسان قبل أيام في موسكو، ولكن يمكن أن يكون هناك تأثير نفسي أو رمزي لهذا الحدث في الوقت الذي تنظر فيه مثل هذه الجماعات إلى روسيا باعتبارها هدفاً لها، وتنفيذها هجماتٍ كجزء من استراتيجياتها المتعلقة بالتأثير على السياسة الداخلية والخارجية للدولة المستهدفة أو لإظهار القوة والتأثير المتزايد للجماعة.
وبحسب كولين كلارك، من مركز سوفان (مجموعة بحثية مقرّها نيويورك)، فإن تنظيم داعش في ولاية خراسان ركّز اهتمامه على روسيا خلال العامين الماضيين، وكثيراً ما انتقد بوتين في دعايته، وبحسب مركز ويلسون (مقرّه واشنطن)، يضم تنظيم داعش - خراسان بين أعضائه مسلحين في آسيا الوسطى الذين لديهم مظالمهم الخاصة ضد موسكو.
وينظر اليوم إلى الهجوم أنه محرجٌ للغاية للزعيم الروسي، الذي دافع عن رسالة الأمن القومي قبل أسبوع فقط من فوزه بولاية خامسة في الانتخابات الرئاسية، منتصف مارس/ آذار الجاري. وقد يكون من بين عوامل اخرى كثيرة، مرتبطة بشكل مباشر في هذه الهجمة، دور روسيا في تقويض وإضعاف "داعش" والتنظيمات المتطرّفة في أفريقيا الوسطى، وهجوم موسكو في شقّ منه بمثابة انتقام على الدور الروسي في مكافحة التنظيم في منطقة الساحل الأفريقي، بالإضافة إلى إظهار النفوذ بعد سنتين من التراجع في نشاطه، حيث يحاول التنظيم عبر ذلك تأكيد قدرته على الوصول إلى أوروبا. ومع ذلك، قد يقلل تقليل قدرات "داعش" وتنظيمات مشابهة أخرى من قدرتها على التنفيذ الفعلي للهجمات، لكن يجب أيضاً مراعاة عوامل أخرى، مثل الديناميات المحلية والسياسية والاقتصادية التي قد تؤثر على تطوّر الهجمات الإرهابية في المنطقة.
رفض بوتين تحذير الولايات المتحدة ووصفه بأنه "استفزازي"، قائلاً "هذه التصرفات تشبه الابتزاز الصريح والنية لترهيب مجتمعنا وزعزعة استقراره"
خسر "داعش" بين عامي 2017 و2018 ما تسمى "الخلافة" الجغرافيا التي كان يسيطر عليها في العراق وسورية، وتحوّل، منذ ذلك الحين، إلى مجموعة متحالفة بشكلٍ فضفاض من الجماعات التابعة لتنظيم داعش في أفريقيا وآسيا مع قدرات ضئيلة على ما يبدو لتنفيذ هجمات واسعة النطاق في أماكن أخرى.
تأتي العملية الإرهابية في موسكو استكمالاً لنشاط متنامٍ لتنظيم داعش داخل الأراضي الروسية، وهو عكس ما يجري تداوله أن العملية كانت مُفاجِئة لأجهزة الأمن الروسية، فقد كان لافتاً أن المكتب الإعلامي للجنة الوطنية الروسية لمكافحة الإرهاب أعلن، في 3 مارس/ آذار الجاري، قتل ستة عناصر من أتباع تنظيم داعش خلال عملية لمكافحة الإرهاب في مدينة كارابولاك بجمهورية إنغوشيا، وفي 7 مارس/ آذار الجاري، أعلنت أجهزة الأمن في روسيا أنها قتلت مسلحين من "داعش"، كانوا يخطّطون لـ"هجوم إرهابي" على كنيس في موسكو، وهى مؤشّراتٌ تؤكّد، في مجملها، أن قيام تنظيم داعش خراسان بعملية في روسيا كان احتمالاً مرجّحاً بشكلٍ كبير، على نحو قد يعرّض أجهزة الأمن الروسية لانتقادات وضغوط شديدة في الفترة المقبلة.
وقالت السفارة الأميركية في روسيا أيضا في 7 مارس/ آذار إنها "تراقب التقارير التي تفيد بأن لدى المتطرّفين خططاً وشيكة لاستهداف تجمّعات كبيرة في موسكو"، بما في ذلك الحفلات الموسيقية. ووفقاً لمتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، فإن الحكومة الأميركية شاركت هذه المعلومات مع السلطات الروسية وفقاً لسياسة "واجب التحذير" الطويلة الأمد. لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رفض تحذير الولايات المتحدة ووصفه بأنه "استفزازي"، قائلاً "هذه التصرفات تشبه الابتزاز الصريح والنية لترهيب مجتمعنا وزعزعة استقراره".
تأتي العملية الإرهابية في موسكو استكمالاً لنشاط متنامٍ لتنظيم داعش داخل الأراضي الروسية
ووفقا لسفير أميركا السابق في كازاخستان وجورجيا ويليام كورتني، هناك عدة احتمالات لعدم الاستجابة بالضرورة لتحذيرات واشنطن في موسكو. وقال كورتني، الذي عمل سابقاً مساعداً خاصاً للرئيس الأميركي لشؤون روسيا وأوكرانيا وأوراسيا: "ربما استبعدوا ذلك لأنهم يعتبروننا العدو"، لكنه قال إنه من الممكن أيضاً أن المعلومات لم تتدفق بسلاسة عبر القنوات الحكومية في موسكو. وهنا تجدر الإشارة إلى أن توقيت التحذير الأميركي تزامن مع الانتخابات الرئاسية الروسية، وبطبيعة الحال، الإجراءات الأمنية كانت مشدّدة في تلك الفترة.
تشير حقيقة اكتشاف السلطات الروسية عدة مؤامرات مرتبطة بتنظيم داعش في وقت سابق من شهر مارس/ آذار الجاري، وأن السلطات الأميركية كانت تحذّر من وقوع هجوم في الوقت نفسه إلى وجود تهديد إرهابي نشط في موسكو من داعش.
وواجه العالم في الساعات والأيام الأولى للهجوم الذي تعرّضت له موسكو روايتين: الأولى، إعلان تنظيم داعش خراسان مسؤوليته عنها. والثانية اتهام روسيا لأوكرانيا بالوقوف وراءه، وبين الروايتين يبقى سؤال كبير: هل الحادثة كانت مصادفة تقاطع مصالح بين التنظيم وكييف؟