خطوة تونسية غير محسوبة
لم يتوقع أحد، سواء في المغرب أو تونس، أن يُقدم الرئيس التونسي، قيس سعيّد، على استقبال زعيم جبهة بوليساريو الانفصالية، إبراهيم غالي، استقبالاً رسمياً، على هامش قمة ''تيكاد 8'' التي انعقدت أشغالها في تونس، أخيراً. وقد حاول بيان الخارجية التونسية تبرير هذا التحول المفاجئ في التعاطي التونسي مع قضية الصحراء بتحميله المسؤولية للاتحاد الأفريقي ''بصفته مشاركاً رئيساً في تنظيم ندوة طوكيو الدولية، على الرغم من أنّ الأمر يرتبط بشراكة بين اليابان والدول الأفريقية التي تعترف بها. وهو ما يعني، بداهة، أنّ الدعواتِ يُفترض أن تُرسل إلى زعماء الدول، موقعةً، من الرئيس التونسي ورئيس الوزراء الياباني، الذي لا تعترف بلاده بما تسمى ''الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية'' إذ لا يُعقل أن يوقع الشريك الياباني دعوةً إلى كيانٍ لا يعترف به، حتى وإن كان هذا عضواً في الاتحاد الأفريقي.
من الصعب فهم ما قام به الرئيس التونسي من دون وضعه في سياقه الإقليمي المضطرب، الذي تتنازعه المصالح والصراع على القوة والنفوذ وموارد الطاقة، وتوجّهُه محاورُ وتحالفاتٌ جديدة. وبالعودة إلى زيارة الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبّون، إلى تونس في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، يتضح أنها لم تكن زيارة عادية. وتمثل مخرجاتُها السياسية والاقتصادية مفتاحاً لفهم التحوّل الذي يبدو أن تونس مقبلة عليه في تعاطيها مع قضايا الإقليم، وفي مقدمتها قضية الصحراء التي ظلت الدبلوماسية التونسيةُ تتعامل معها بحياديةٍ إيجابيةٍ عقوداً. يتعلق الأمر بمقايضة الدعم الاقتصادي والمالي والسياسي الجزائري لنظام سعيّد بالخروج المتدرج عن هذه الحيادية وتبنّي الأطروحة الجزائرية حول هذه القضية. وهو الخروج الذي بدأ، بشكل لا يخلو من دلالة، بامتناع تونس عن التصويت على قرار مجلس الأمن 2602، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بشأن تمديد عمل بعثة ''المينورسو'' سنةً أخرى في الصحراء.
وإذا أضفنا إلى ذلك ما أسفرت عنه زيارة الرئيس الفرنسي، ماكرون، الجزائر، الأسبوع الماضي، ستبدو الصورة أكثر اكتمالاً: يتعلق الأمر بملامح فرز جيوسياسي جديد، تُمليه التحالفات الإقليمية الجديدة للمغرب، وبالأخص مع الولايات المتحدة وإسرائيل وإسبانيا، وكذلك انشغال الرئيس التونسي بتوفير غطاء سياسي إقليمي ودولي في مواجهة خصومه في الداخل. وإذا كان من السابق لأوانه الحديث عن محور فرنسي جزائري تونسي، فإنّ انعطاف المغرب، المحتملَ جداً، بتحالفاته نحو أطوار أخرى، بما قد يتعارض مع السياسة الفرنسية في المنطقة، من شأنه أن يُحول منطقة المغرب العربي والمتوسط إلى حلبة جديدة لصراع القوى الكبرى، بما ينطوي عليه ذلك من مخاطر بعيدة المدى على الاستقرار السياسي والاجتماعي في المنطقة، لا سيما بعدما وصلت العلاقات بين المغرب والجزائر، في ما يبدو، إلى نقطة اللاعودة، أمام إصرار الجزائر على الاستمرار في سياستها المعادية للوحدة الترابية للمغرب. وبذلك، تندرج الخطوة التونسية في سياق تحوّل عميق يتخطّى المنطقة نحو جنوب الصحراء والساحل، ويُنذر بخلط مزيد من الأوراق، لا سيما في ظل ضعف الجبهات الداخلية في بلدان المنطقة وتصدّعها بسبب تدهور الأوضاع المعيشية والاجتماعية وغياب مشاريع حقيقية للتحول نحو الديمقراطية.
ضمن هذا الأفق، تبدو الخطوة التونسية غير محسوبة بالنظر إلى هشاشة الوضع الداخلي وتزايد الاحتقان السياسي والاجتماعي، وإخفاق قيس سعيّد في توسيع رقعة مؤيدي انقلابه في الاستفتاء الدستوري أخيراً، وانعدام رؤية تونسية واضحة ومتسقة بشأن ما يحدُث في الإقليم من تحوّلات على صلة بأزمات الغاز والنفط والغذاء، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، واحتدام صراع القوى الدولية الكبرى. ومن نافل القول إنّ هذه التحولات، بكلّ أهميتها الجيوسياسية، تتطلب قدراً من النضج الدبلوماسي، لا يبدو أنّ الرئيس التونسي يمتلكه، وهو القادم إلى قصر قرطاج من دون خبرة سياسية كافية.