خطابات السيسي عن الدين
لم يصدُر عن عبد الفتاح السيسي يوما ما يفيد بأنه غير مسلم. أتحدث عن الخطابات، وليس الأفعال، ولا يمكن نسبة تصريح واحد من دون اجتزاء أو اقتطاع أو تربّص، يفيد بمعاداته الدين، أو الإسلام. هذا الكلام ليس دفاعا عن السيسي، طبعا، فلديه من المدافعين، والمطبّلين، المنحازين والمنافقين، المأجورين والمجانين، ما يكفي عن حاجة حكام مصر منذ ما قبل التاريخ إلى ما بعد يوم القيامة، إنما هو تقرير واقع، واضح، وبديهي، ومحاولة جادّة لتناول خطابات السيسي عن الدين، بعيدا عن خطابات وعاظ مواقع التواصل الاجتماعي، وفيديوهات اليوتيوبر الإسلامي التي تخلو من الصدق قدر خلوّ أصحابها من الحد الأدنى من الشرف والنزاهة.
يتحدّث السيسي، كلما استدعى الظرف، عن تجديد الخطاب الديني، وتطويره ليوافق العصر، يطالب في كلمته في يناير/ كانون الثاني 2015، بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي، بـ"ثورة دينية" على "نصوص وأفكار تم تقديسها عبر مئات السنين، تعادي الدنيا كلها". يقول لشيخ الأزهر في كلمته، في يناير 2017، بمناسبة عيد الشرطة: "تعّبتني يا فضيلة الإمام"، في ممازحةٍ خشنة، تشير إلى تعنّت الشيخ أحمد الطيب ومقاومته مساعي الرئيس التجديدية. ينتهز فرصة استضافة سيناريست في برنامج تلفزيوني، ويتصل في مداخلة تليفونية، ليتحدّث عن دعمه الفنانيين المنشغلين، مثله طبعا، بتجديد الخطاب والوعي، الديني. مداخلة مع الإذاعي يوسف الحسيني، كان من المفترض أنها عن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، لكن لا بأس من كلمتين، "سد خانة"، عن تجديد الخطاب الديني، وهكذا.
ليس المهم ما يقوله الرئيس، أي رئيس، المهم ما يفعله. تشبه خطابات السيسي عن تجديد الخطاب الديني نظيرتها عن الديمقراطية، فهو يطالب بالديمقراطية، لكنه ينبه إلى أن الوقت غير مناسب، وأننا نحتاج عشر سنوات على الأقل. الأمر نفسه ينطبق على حقوق الإنسان، كما على تجديد الخطاب الديني، فالبشر لا يتغيرون بسرعة. وبناء عليه، نحن نطالب، ونوجّه، ونصرح، وربنا يسهّل. مطالبات بلا خطة، بلا فعل، بلا مشروع يتبنّاها الشخص الوحيد القادر على تحويل مطالباته إلى خطط ومشروعات ووقائع!
في الأزهر، الآن، معركة بين تيارين، علي جمعة وعساكره المعمّمين في مواجهة شيخ الأزهر. ينحاز الطيب إلى التجديد، وفق اشتراطاتٍ تراثيةٍ طبعا، فهو في الأخير شيخٌ لمؤسّسة تقليدية، أولى مهامها الحفاظ على التقليد، وهي المعركة التي بدأها الطيب عقب ثورة يناير مباشرة، حين أسّس لجنة لتطوير المناهج، وانتدب لها أزهريين وآخرين من خارج المؤسسة الدينية. وهو المشروع الذي لم يكتمل، مثل غيره من مشروعات الطيب، لمقاومة تيار جمعة وشركاه، ومزايداتهم عليه، ووصمهم له، ومعهم الدولة، وإعلامها، ناهيك عن مناخٍ فاسدٍ تروج فيه مقولات الجمود والتطرّف، بوصفها قوةً في الدين، وحمايةً له، ودفاعا عنه، ضد المؤامرة عليه، من "أي أحدٍ غيرنا". واختيار الرئيس هنا واضح، فهو مع تيارات الجمود داخل المؤسسة الدينية، وخارجها، في مواجهة أي تيارٍ إصلاحي، لا يدين له بالولاء المطلق.
يتحدّث الرئيس، قبل ولايته، مع لميس الحديدي وإبراهيم عيسى، عن نمط تديّنه. يقول إنه تأثّر بالشيخ متولي الشعراوي والشيخ إسماعيل صادق العدوي. تتكرّر الإشارة مع يوتيوبر شهير مثل عبد الله رشدي، ظهر على الشاشات، بموافقة الدولة ودعمها، وحاول الطيب تحجيمه، ولم يفلح، فوراءه دولة ومنظومة أمنية قادرة على تحويله إلى بطل شعبي. يبدو الرئيس السيسي في خطابات رشدي الرئيس المؤمن الذي يحب الأزهر، ويعرف له حقه، ويدعمه، ويعيش معه الأزهر عصره الذهبي، ولا بأس من تكرار الإشارة إلى الشعراوي والعدوي، بل والإشارة إلى دور مشايخ الأزهر في تربية جنود الجيش والشرطة، عبر محاضرات الشؤون المعنوية، فالرئيس تربية الشعراوي والعدوي، الصوفيين، وحليف حزب النور، السلفيين، وداعم جمعة وشركاه، التراثيين، وهو، في الوقت نفسه، المُطالب، دائما وأبدًا، بالتجديد الديني، وإعادة صياغة المعتقد، وتجاوز الأفكار التي تم تقديسها عبر مئات السنين. فإذا كان النقد، الأكثر توجيها إلى الإسلاميين أنهم متاجرون بدين الله، فماذا يكون الرئيس ".. بياع سِبح"؟.