خالد سعيد وسيد بلال: النسخة الإيطالية
ذات يوم، أو ذات حلم، أو يمكنك القول ذات وهم، قلت إن الحكم بالحبس المشدد 15 عاماً والسجن المؤبد على قتلة الشاب السكندري، سيد بلال، يمثل واحداً من تجليات ثورة 25 يناير، تماماً كما جاء الحكم على قتلة شهيد الإسكندرية الآخر خالد سعيد.
أمس، وبعد 45 شهراً من حكم الإدانة، جاءت اللحظة الحتمية لتبرئة ضابط أمن الدولة الذي عذّب سيد بلال حتى الموت، غير أن الأكثر إثارة في دراما الاستبداد المصرية، أن يكون اسم رئيس المباحث، وقت استشهاد سيد بلال، السكندري، حاضراً في واقعة مقتل الإيطالي، جوليو ريجيني، لتتحول قصة الأخير إلى نسخة إيطالية من مأساة خالد سعيد، وسيد بلال، من دون اختلاف كبير في التفاصيل.
دعني أذكّرك، أولاً بسيد بلال، الشاب السلفي الذي كان أحد ضحايا التفجير الإرهابي في كنيسة القديسين في الإسكندرية، قبل ثورة يناير 2011 بأسابيع، لكنه سقط سهواً، ولم يكن له نصيب من الدموع التي تسح على خد "الوطن" الحقيقية منها والصناعية، ولم يصبه الحظ في شمعة واحدة من تلك التي توقدها "القوى الوطنية" وبوتيكات الاستنارة والمواطنة على الضحايا.
حزنت مصر كلها على ضحايا الانفجار، لكنها تناست سيد بلال الذي مات في أثناء التحقيق معه ومحاولة استنطاقه بالقوة، للحصول على معلوماتٍ بشأن جريمة الكنيسة، وكأن إلصاق كلمة "سلفي" باسمه يكفي مبرراً لكي يموت في أثناء تعذيبه، وفقاً لاتهام أسرته الشرطة.
حتى "بارونات السلفية" في الإسكندرية في ذلك الوقت، برهامي وشركاه، والذين تطوروا إلى حزب النور فيما بعد، لم يطالبوا بحقه، ولم يخرجوا في تظاهراتٍ صاخبةٍ تطلب القصاص من القتلة، بل إن ياسر برهامي، الرجل الأول في الدعوة السلفية، حينذاك، منع الشباب من التظاهر من أجل زميلهم الشهيد.
هل هي المصادفة التي جعلت سلفيي الإسكندرية من أتباع برهامي والشحات، هم أول خنجر استخدمته سلطة المجلس العسكري في ذبح قضية شهداء ثورة يناير، بأن أطلقتهم أجهزة الدولة العميقة على أسر الشهداء، تفترسهم بسلاح الفتاوي، وتقنع عددا منهم بالتنازل عن حقوقهم، لقاء تعويضاتٍ مالية ورحلات عمرة؟
كشفت الأيام، فيما بعد، أن العلاقة بين سلفيي برهامي والشحات، وامتدادها السياسي، ممثلا في حزب النور، كانوا بالنسبة لوزارة الداخلية، بمثابة سلاح الشؤون المعنوية بالنسبة للمجلس العسكري، يلعبون الأدوار نفسها في هدم المعاني وعبادة المباني، مع فارق بسيط، هو أن قيادات "السلفية النظامية" أي تلك المصنعة بمعرفة النظام، يوظفون النصوص الدينية توظيفاً فاسداً، للسيطرة على وعي الجمهور البسيط، فيما تشتغل"الشؤون المعنوية" على تسييد مفاهيم ونصوص وتعريفات فاسدة للوطنية.
وعلى ذلك، ووريت مأساة استشهاد سيد بلال الثرى، مع جثته، من دون أن يهتم أحد من الذين اعتبروا الفاعل في مذبحة الكنيسة "فكأنما قتل الناس جميعاً"، أو يتوقف، ولو بالسؤال، عند ملابسات موته المفجع، على الرغم من أنه أيضا يعد نفساً قتلت بغير نفس.
كان من الممكن أن تدفن مأساة مقتل خالد سعيد، وتوارى جريمة مصرع سيد بلال مع جثتيهما، لولا أن ثورة من أجل الكرامة الإنسانية قامت فى 25 يناير 2011، أي بعد أسبوعين فقط من رحيل سيد بلال، وشهور على استشهاد خالد سعيد.
أعادت ثورة يناير جريمة قتل سيد بلال على أيدي زبانية التعذيب إلى صدارة المشهد، بعد أن كان قد أصبح "ابن البطة السوداء"، فتنظر المحكمة في القضية، ويصدر الحكم في يونيو/ حزيران 2012، قبل أيام من تسلم الرئيس محمد مرسي السلطة، بالسجن المشدد 15 عاماً على ضابط الشرطة الذي عذبه وقتله.
والآن، وفي ظل حرب اجتثاث ثورة يناير، يصبح طبيعياً أن يمحو قضاء الثورة المضادة كل الأحكام التي أنصفت "يناير" وثوارها، لتكون، مثلاً، ذكرى استشهاد خالد سعيد أيقونة الثورة، هي اليوم الذي يقف فيه محامي حبيب العادلي، وزير داخلية مبارك، في قاعة المحكمة، طالبا رد الاعتبار، ومطالبا الشعب المصري بالاعتذار له، عما لحق به من أضرار نتيجة الثورة "المؤامرة الكونية الماسونية الامبريالية الصهيونية العالمية".
ما معنى أن تقرأ اسم ضابط أمن الدولة، خالد شلبي، رئيساً لمباحث الإسكندرية، حين قتل سيد بلال، ومن قبله خالد سعيد، ثم تجده أمامك رئيساً للإدارة العامة لمباحث الجيزة، حين قتل جوليو ريجيني.
أترك لك الإجابة.