حوار وطني تحضيرًا لامتحان بايدن
المعلن، إسرائيليًا وأميركيًا، إن جو بايدن سوف يأتي إلى الكيان الصهيوني في منتصف يونيو/ حزيران المقبل، في زيارة لن تكون ثنائية الطابع، بل ستتوسّع لتشمل حكام المنطقة.
تنقل"العربي الجديد" عن موقع أكسيوس إن مسؤولين إسرائيليين قالا إن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، إيال هولاتا، ونظيره الأميركي، جاك سوليفان، ناقشا الزيارة المقبلة لبايدن في محادثات في البيت الأبيض الأسبوع الماضي. وكانت إحدى الأفكار، حسب الموقع، عقد اجتماع بين بايدن ورئيس حكومة الاحتلال بينت وقادة آخرين من المنطقة، إما في إسرائيل أو في دولة أخرى، وسيلة لمواصلة زخم قمة النقب التي انعقدت في إسرائيل في أواخر مارس/ آذار لتعزيز اتفاقات أبراهام.
تقول هذه الصيغة إن هذه الفكرة، لو نفّذت، ستكون قفزة أبعد مما جرى في قمة النقب التي ترأستها إسرائيل، وضمّت وزراء خارجية كل من مصر والمغرب والإمارات والبحرين، حيث خرج الاحتلال الصهيوني من هذه القمة وقد اعتمده رسميًا عرب التطبيع قائدًا للمنطقة، وعنصر استقرار أنظمة الحكم فيها.
ما يدور الآن في عواصم عربية من تفاعلات سياسية يأتي استباقًا وتحضيرًا لاستقبال بايدن، إن لم يكن في الكيان الصهيوني، على طريقة قمّة النقب، ففي عاصمة عربية أخرى، خليجية، وربما غير خليجية، في حال تحويل الأفكار الأميركية الإسرائيلية المتداولة إلى مشروع للتنفيذ، وهذا ليس مستبعدًا بالنظر إلى أن تصوّر بايدن للمنطقة، منذ كان مرشحًا رئاسيًا يرجح ذلك.
في المسألة المصرية، لا يمكن النظر إلا في هذا السياق إلى الحديث المتصاعد عن انفراجةٍ في الحريات، وهميةٍ وشكليةٍ وخادعة، ودعوةٍ إلى الحوار الوطني، هي كذلك غير جدّية وأقرب إلى التحايل على حالة فشل سياسي واقتصادي، حققها النظام بكامل اختياره، حين تصوّر أن باستطاعته النجاح والتفوق لمجرّد أن يؤدّي وظيفة لمصلحة أطرافٍ وجدت ضالّتها فيه، بوصفه جهاز قمع جبار للإجهاز على أي فرصةٍ لإحداث تغيير ديمقراطي، من شأنه إفساح الطريق للشعوب، كي تكون جزءًا من معادلات المنطقة.
في هذا الطقس الصناعي، تدور عملية محاولة استمطار صورة ديمقراطية من سحبٍ وهمية، أقرب إلى الخدع البصرية وألعاب السيرك، التي جرّبها الناس من قبل، لكن بعضهم مصمّم على خداع الذات مرّة أخرى، من خلال التعاطي بإيجابيةٍ مع لعبة الحوار الوطني الجديدة، التي يمارسها النظام، تحضيرًا للمثول بين يدي الرئيس الأميركي، الذي أشاح وجهه عنه في مناسبات عدة، ويشهر في وجهه ملف التصحّر الديمقراطي، والجفاف الضارب في حالة الحريات وحقوق الإنسان.
يدهشك في الأمر أن من الذين يتبرّعون بإعلان الاستجابة، وإنْ كانت مشروطة، لدعوة نظام السيسي لحوار على أرضية الثلاثين من يونيو (2013) كانوا يقفون ضد فكرة الحوار، من حيث المبدأ، مع الرئيس المنتخب محمد مرسي، بل ويعتبرون الاستجابة لدعوة الحوار، مشروطةً أو غير مشروطة، خيانة للوطن وللثورة، وعارًا يلحق بالذين يشاركون بالحوار المنقول على الهواء مباشرة، في ذلك الوقت، والذي يحضرُه الرئيس بنفسه مستمعًا ومنصتًا وموافقًا على النتائج والمخرجات التي يتوصل إليها المجتمعون.
مدهشة فعلًا حالة المماحكة التي تختبئ خلف اشتراطاتٍ يعلم واضعوها أن المعني بها لن يعيرها اهتمامًا، وخصوصًا عندما تأتي هذه المماحكات من بعض الذين كانوا يباهون بأنهم يرفضون المشاركة في حوار، بناءً على دعوة الرئيس مرسي، بل ويسخرون من الدعوة والداعين لها، بحجّة أن مرسي يحاور مرسي، وبدافع الخشية على وسامتهم الثورية من حوار كهذا مع رئيسٍ منتخب.
أتذكّر أن الحوار مع مرسي في تلك الأيام أثمر تراجعًا عن إعلانه الدستوري، الذي حقق به مطلبًا كان مرفوعًا طوال الوقت في ميادين بمصر، وهو إقالة نائب عام ضد الثورة، وفرض المشاركون بالحوار على الرئاسة بيانًا يتضمّن مفردة "الإلغاء" للإعلان الدستوري، وليس تعديله، كما حقق مكاسب كان من الممكن البناء عليها للنجاة من جحيمٍ كان يُصنع في غرف مظلمة، بتطوّع وتفرّغ كاملين ممن أسميتهم وقتذاك "رموز جماعة الحرب حتى يوم القيامة" الذين حقّقوا سقوطا ذريعا أمام اختبارٍ فرضته ظروف تداهم الوطن بأسره، شعبه قبل حكومته، فتفلتوا من فكرة الالتقاء حول مشترك وطني وقومي، مردّدين الكلام المضحك ذاته عن أنهم لن يمنحوا الفرصة للنظام لكي ينهل من وسامتهم الطاغية، ويتجمل من خلال صورة فوتوغرافية معهم فى القصر الرئاسي.
تلحّ هذه المشاهد على الذاكرة مع هذا التطوّع لإضفاء جدّية على لعبة هزلية مؤقتة، هي في ظني ليست أكثر من محاولة لارتداء قناعٍ واقٍ من عاصفة انتقادات ومساءلة أميركية قادمة في النصف الثاني من يونيو/ حزيران المقبل، يعلم المتفاعلون أنه فور اجتياز امتحان بايدن سيزيح هذا النظام قناعه، ويستعيد ملامحه الحقيقية .. هذا إن التفت النظام إلى هذه الهدايا المجانية أو أعارها اهتمامًا من الأصل.