حوار حسن مع حسن بآليات حسن

14 يوليو 2022

(محمد عمران)

+ الخط -

دع جانبا الآن فقط، "دلع حسن"، ودع أيضا حلم جابر أبو حسن عن قصر المقدّس شاكر، ودع حتى حسن نفسه، ودع "الـ 33 مليونا"، من الجيوش الجرّارة التي وقفت في ظهر حسن، وبعد أن ركب حسن الرفّاص، قال لهم بعد تكشيرة على هيئة 444: "ما معيش أجبلك منين؟"، فسكتت الـ 33 مليونا، مكتفيةً بهدهدة حسن لليمام والنعام أمام الكاميرات خلال سنوات تسع، حتى أنجبت الجماهير الآلاف من حسن وحسين ومحمد ومحمّدين، أراهم كل صباح أمام "فودافون" بحثا عن خط تليفون، حرصا على زجاجة الزيت وكيلو السكر والنقاط.

والآن، نعود إلى "حوار حسن"، فنلاحظ بكل جلاء جلوس سمير مرقص بجوار ضياء رشوان ومحمد سلماوي، المتحدّث الإعلامي باسم لجنة الدستور سابقا، والذي تم تغييره ولم يصلوا بعد إلى المراد، ولا حتى إلى نصفه، إلى جوار الصحافي عماد الدين حسين، فقلت لنفسي: "طيّب أين عبد الحليم قنديل ومكانه؟"، فخاب ظني لعدم حضوره. بعد ساعتين، كان حواره مع ريهام السهلي عن الحوار الوطني. وأضاف الرجل: "زكيبتا بنزين على هامش الحوار قبل أن يبدأ". والمضحك أنه قرن الإخوان المسلمين بعناصر حسني مبارك الفاسدة، ومنع الاثنين حتى من أن يمرّا من أمام مصطبة الحوار الوطني، وذلك من دون أن يعرف حتى ولكنه يناور، بأن ريهام السهلي نفسها كانت مندوبة التلفزيون المصري لدى مبارك، في قصر الاتحادية. كان عبد الحليم ينتع ويبربش، كي يكمل في بناء فكرة عدم دخول الحوار هاتين الفئتين الضالتين، وأنا أحاول أن أضحك وحامل الكاميرا يبعد الخجل والكاميرا عن تعبيرات ريهام وأحاسيسها التي جرحتها تنظيرات عبد الحليم قنديل، حينما "داس بنزين للتالت"، وأنا أحاول جاهدا أن أبلع مرارة ضحكتي، حتى أنهت ريهام السهلي الحوار بلباقة، حينما ساقت عبد الحليم قنديل، بلطف، إلى إنجازات الحاضر ولؤلؤ الكباري والأنفاق، فأكمل عبد الحليم قنديل، هول الإنجازات بالضبعة وتكافل وكرامة، "حصة المحفوظات المقدّسة"، للـ 33 مليونا، التي صارت بلا عمل بعد توقف البناء في كل القرى والبلدان من أكثر من سنتين. ووقف الحال تماما، ولم تعد هناك جماهير تهتف حتى في ميدان التحرير، فحرّضوا أصحاب المولات على تخفيضاتٍ في بعض السلع كي تصوّر الكاميرا أي زحام ينوب عن "الـ 33 مليونا التي أهدرها الهوى".

كان جابر أبو حسن يريد، بكل عنفوانه، بعدما هدّه المرض، وجلس وحيدا على جانب الرصيف أن يحول قصر المقدّس شاكر إلى "سيما". كان أولاد المقدّس شاكر وزوجاتهم وبناته في ضحك دائم حينما يشن ابن حسن الهجوم اللفظي من فوق الرصيف، والنساء والبنات في فساتينهن في شرفات القصر يضحكن، وكأنهن يتفرّجن على فيلم أبيض وأسود للممثل محمد توفيق، وهو قد فقد وعيه بجوار عربة كارو قديمة، وبجواره زجاجة فارغة، كانت تلك الزجاجة هي التي فكّت لسان ابن حسن، وجعلته ينخرط في أفكاره التي أوصلته إلى تحويل قصر المقدّس شاكر، المليء بالورد والمانغو والنخيل، إلى "سيما". كان الخنجر أمام ابن حسن والبنات في أعلى شرفات القصر يضحكن، حتى مشت الأيام وتركوا جميعا القصر، وسافروا إلى أميركا، ومات ابن حسن، وتحولت سينما سمالوط الوحيدة، في بلد الإبداع والنخبة، إلى قاعة أفراح.

لاحظ أن الحوار الوطني لم يبدأ، ولم يحضر بعد عمرو حمزاوي بحقائبه ولا بخطابه الجديد ولا حتى يسري فودة ولا ريم ماجد ولا ليليان "العدّة التي هاجرت"، وتركت التورتة، والزهور لأولاد حسن وأحمد موسى ونشأت وحشمت وطشة الملوخية .. إلخ. لاحظ أن الرجل العاشق حاول، في ليلة دخلته على أم حسن، أن يحايله بالحمص والبلح، ولكن الولد حسن صاحب الدلع طلب من العاشق عسلا، فجاء العاشق بالعسل من الدكّان مسرعا، ولكن حسن فكّر وقال للعاشق: "وعاوز كمان الذباب يهشّ على العسل وأنا آكل وأنام"، فرح العاشق، وقال: "سهلة"، وقفز إلى السطح الجريد يناوش بأصابعه، كي يطير الذباب ويحطّ على طبق العسل وينام حسن، فقرصه حنش، فنزل ولفّ شاله وضحك، وقال: "فعلا أنا مش قد دلع حسن"، فقالت له الأم العايقة: "أنا مش قلت لك؟".

وها نحن في انتظار حوار حسن، فقد نرى في مقدّمة الصفوف سامي عنان ما بين مصطفى بكري ومحمود مسلم، وبجوارهم الصحافي عماد الدين حسين يقدّم للفريق سامي عنان آخر مؤلفاته السياسية مع وردة من يد يسرا، فقد تحضر هي الأخرى الحوار الوطني "ممثلة لقوة الإبداع الناعمة"، ولكن قد يسبقها مصطفى بكري ويخطف الوردة من يدها، ويمنحها بنفسه للفريق سامي عنان، وتكون تلك الوردة هي الشغل الشاغل لأحمد موسى، على مدار سنوات تالية كي يغيظ بها الإخوان.

720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري