حلم انقلاب تركي وتثبيت سلطة أردنية

07 ابريل 2021
+ الخط -

ساعات فصلت بين توقيف شخصيات أردنية كانت حتى الأمس رفيعة المستوى في هرم الحكم، والبيان الذي وقعه 103 أدميرالات متقاعدين من البحرية التركية، قُرئ، بصواب، أنه ينتمي إلى زمن الانقلابات حين كان يكفي صدور بلاغ عسكري حتى تتحرّك الدبابات في شوارع المدن التركية الكبرى ويُضاف إلى سجل العسكر انقلاب جديد. لا عناصر شبه بين الحدثين الأردني والتركي إلا التزامن في التوقيت. الأردن مملكة وراثية يدرك حكامها أنفسهم أن وصفها بـ"الديمقراطية" لا يأتي إلا من باب المبالغة والاستعارة اللفظية، من دون أن يعني ذلك أن حدود الكلام المسموح فيه هناك، هو بمستوى قمع ممالك وجمهوريات عربية أخرى. أما تركيا، فجمهورية هوامش الديمقراطية فيها حقيقية وإن كانت تشهد تراجعاً مطرداً. الفوارق الكبيرة بين الحدثين والنظامين والبلدين لا تمنع ممارسة هواية المقارنات والإسقاطات. في البيان العسكري التركي استعجال لاستحضار ذكرى الانقلابات. أما في توقيفات الأردن، فظهرت رغبة راسخة في كل كلام رسمي صدر، بعدم ذكر مصطلح محاولة انقلاب لوصف ما تقول السلطة إن ولي العهد السابق الأمير حمزة كان يحضّره. وفي مقابل تفادي استخدام المصطلح في السيناريو الأردني، ثمة ثمن يجب دفعه. اتهامات مضخمة جداً من نوع "التورط في مخطط خارجي" وإجراء "اتصالات مع جهات خارجية حول التوقيت الأنسب للبدء بخطوات لزعزعة أمن الأردن". ولكي لا تقول السلطة إن القصر يعتبر أن حركة الأمير حمزة وطموحاته تضخمت وصارت تشكل مصدر قلق بالنسبة للحكم، كان طبيعياً تكبير الحجر، فصار هناك في الأدبيات الرسمية شيء اسمه "المعارضة الخارجية" (غير الموجودة كإطار منظم) و"جهات خارجية" لا اسم لها. وفي سبيل استبعاد المصطلح أيضاً (محاولة تدبير انقلاب)، كان لا بد من إصرار الجيش والحكومة على عدم وجود أي شخصية عسكرية (في الخدمة) في صفوف المعتقلين.

في الحدث التركي، كان الوضع معاكساً. ربما لم يخلُ تصريح أو بيان رسمي صادر عن شخصية مقرّبة من السلطة، من استحضار ذكرى الانقلابات العسكرية في معرض إدانة بيان الأدميرالات الرافضين مشروع رجب طيب أردوغان شق قناة إسطنبول التي تهدد برأيهم حرية الملاحة وتبطل اتفاقية مونترو التي تضمن حرية المرور في مضيق البوسفور منذ عام 1936. حتى اعتقال عدد من الضباط الموقعين على البيان، حصل بتهمة "الاجتماع للمساس بأمن الدولة والنظام الدستوري"، أي بكلام آخر، التحريض على الانقلاب. والحال أن حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم منذ أواخر 2002، يستمد حيزاً كبيراً من شرعيته من خلال تقديم نفسه على أنه بتعريفه، معادٍ للانقلابات، وهذا أحد أسماء العلم التي يشهرها في كل مناسبة. أما الرغبة الأردنية في تفادي ذكر مصطلح محاولة الانقلاب حتى في وصف ما تصوّره "مؤامرة" من الأمير حمزة ورفاقه، فإنها تعكس رفض نظام الحكم في المملكة إثارة إرباك جدّي في المجتمع وبين الشرق أردنيين والأردنيين من جذور فلسطينية، ببساطة لأن القصة تبدو في التحليل، مع جمع لبعض المعطيات، كناية عن صراع على السلطة المستقبلية بين الملك وأخيه غير الشقيق: الأول يريد تثبيت ولاية العهد باسم ابنه الحسين بن عبد الله، والثاني يعتبر نفسه الأحق في المنصب وفي خلافة الملك الحالي، مدعوماً من قطاعات أردنية وعشائر وازنة.

في تركيا، معارضو أردوغان كثر ومن بينهم من هو عسكري في الخدمة أو في التقاعد. الانتخابات قريبة من جهة، وثمة من ناحية أخرى مَن يأمل أن يساعد انعدام الكيمياء بين إدارتي جو بايدن والرئيس التركي في التخلص من أردوغان، عبر الانتخابات أو بأي طريقة أخرى. أما في الأردن، فلا محاولة انقلابية ولا مؤامرة، بل أمير شاب يلعب على تناقضات المجتمع وعلى الغضب الشعبي المتنامي من الإدارة السياسية الرديئة والأزمة الاقتصادية والمعيشية، بهدف استعادة مجد انتُزع منه في خريف 2004 وقطع طريق توليه العرش مستقبلاً.