حفيدا الطهطاوي وسويف .. ونخنوخ
هل تدري، الآن، باريس أن عالما أزهريا مصريا، أتى من الشرق، على رأس بعثة علمية، إليها في سنة 1826، وهل نبّه مستشارو ماكرون الرئاسة في ظل الخسارات الفادحة لضياع صفقة الغواصات وبيعها إلى أستراليا، أم أن ماكرون بحسبة "رأس المال المعولم" التي أتت به لم يفق من الصدمة بعد؟ وهل قالوا لماكرون، وهو في قصر الإليزيه يعد العدّة لاستقبال رئيس مصر، أو محمد بن زايد، أو غينيا، أو النيجر، أو مالي، أو الجن الأزرق، أن هناك كتابا مهما في الأرشيف، اسمه "تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، كتبه عالم أزهري مستنير، اسمه رفاعة رافع الطهطاوي، وبفضل هذا الكتاب كانت مصر قد دخلت إلى الاستنارة. جاء العالم الأزهري من غرف الدرس بأروقته. هل قال أولئك الموظفون في قصر الإليزيه هذا، أم أنهم ساعتها كانوا مشغولين، وفي سرعةٍ من أمرهم، للتوقيع على بيع الرافال بالمليارات إلى مصر؟
العالم الغربي بعدما صار "شركة متنافسة"، لبيع فائض أسلحة المصانع وتشغيل عمالته لتحسين الأجور والمعاشات هناك، هل هو في فسحةٍ من أمره للتفتيش في أرشيفه، في من دخل إلى باريس في 1826، وألّف كتابا مهما، اعتمدت عليه النخبة وصنّاع الدساتير في إقامة دولتهم في مصر، كي تصير منارة ما بين الأمم؟ وهل ماكرون ينتظر فلوسا من مصر بعد ما امتلأت بالأسلحة والسجون، حتى بدأ يفكر رئيسها في بناء "مجمّع سجون"، ينافس "المجمّعات" في أميركا ويناطحها في الشكيمة، وليس مجمّعا للألومنيوم، أو الحديد، أو الذهب، وهل "النخب في مصر" تبحث عن باريز ودساتيرها وتنويرها بعد ما بصَمت بالعشرة على تغييره، بل ووضعه فوق الرفّ، إلى حين أن ينتهي الرئيس من "تكسير عظام الإخوان أو إعدام قادتهم مع الثّوار أيضا"، حتى وإن ابتنى خمسين مجمّعا للسجون ووزعها حتي على الكفور والعزب، وقد كانت السلطات من شهرين صرحت "بضابط لكل كفر أو عزبة".
أما لو أراد أحد، أي أحد مستنير، أن يدخل إلى الإليزيه، وفكّر في أن يقترب من أذن ماكرون، في ظل هذه الطعنة التي أصابته في الخاصرة من أستراليا، وقال له: "إن صاحب الكتاب رفاعة رافع الطهطاوي له أيضا أكبر حفيد كان يعمل سفيرا بالخارجية المصرية سنوات، وكان ناجحا. وهو الآن داخل سجون الرئيس المصري من حوالي ثماني سنوات بقضية نقل وثائق إلى قطر"، فحتما سوف يفطس ماكرون من الضحك، وقد يقول للقائل: "هذا شأن مصري داخلي"، وخصوصا إذا كان "الرافال" مطلوبا بشدة في بلاد العرب. أما لو كان قد دخل إلى الإليزيه مثقفٌ نزيه، وقال له إن عالما مصريا في علم النفس، اسمه دكتور مصطفى سويف، أفنى من عمره حوالي سبعين سنة داخل "معمل علم النفس جامعة القاهرة"، وعلى يديه تخرّج آلاف من الطلبة، والأساتذة، كالدكتور عبدالسلام الشيخ، وشاكر عبد الحميد الذي صار وزيرا للثقافة بمصر، وتوفي من شهور، وأن له ابنة هي الكاتبة، أهداف سويف، صاحبة رواية "خرائط الحب"، يعني "مش إخوان"، وأختها دكتورة ليلى سويف وزوجها المحامي الحقوقي، أحمد سيف الإسلام عبدالفتاح، رحمة الله عليه، وابنهما علاء عبدالفتاح، ناشط سياسي، ما زال قابعا في سجون الرئيس المصري من ثماني سنوات، وله أختان "شبه ضيوف على أوقات" في السجون أيضا، فقد يكتفي ماكرون بأن يسجّل له أحد المستشارين كل هذا الكلام مع التنبيه لإرساله إلى موظف بوزارة الخارجية الفرنسية، قد ينسى الورقة وما فيها أصلا على مائدة عشاء الإليزيه، وكان في زيارة محمد بن زايد الأخيرة قد وعده بشراء الغوّاصات، وخصوصا إذا انهمرت دموع ماكرون حزنا على ضياع صفقة الغواصات، كما حدث لوزير دفاعه بالأمس الذي أقرّ "بألم الطعنة الأسترالية".
أما لو كان الوسيط خفيف الدم وله علاقة بأضواء شارع الهرم والكازينوهات والليل والرقص الشرقي، وبه مسحة من خفّة ظل وموضوعية فرنسية، ضاعت في "مراكب الأسلحة وصفقاتها"، وأخذ في جعبته صورا وفديوهات "لبلطجي مصري شهير اسمه صبري نخنوج ومعه صور النمور والأسود في حديقة قصره ليلة القبض عليه بواسطة أمن الإسكندرية"، وقال لماكرون، هذا بلطجي معروف، وقد حكم عليه القضاء المصري بـ 26 سنة، ولكن الرئيس المصري، أخرجه من السجن، بعفو صحّي، وتزوج بعد شهرين من لبنانية، فقد يبتسم ماكرون ويقول له: "عموما أرسل بوكيه ورد إلى نخنوخ"، حتى وإن كان متأخرا. وعموما العفو الصحي في سلطة الرئيس وحده، وهذا أمر داخلي يخص أمور بلاده، حتى وإن ربّى أسدا، أو لبؤة، أو جملا، فهذه بلادهم، "وإحنا ال فينا مكفينا" ... وقوس النصر أهم لدينا من الشرق كله.