حركة حماس ... صفر ردود فعل

28 فبراير 2023
+ الخط -

منذ نحو عامين وأكثر، سيما بعد معركة سيف القدس، التي حاولت حركة حماس خلالها إقامة أول جسر صاروخي/ سياسي بين القدس وغزّة، كانت أنظار الفلسطينيين في المدينة المقدّسة وفي الضفة الغربية عامة، تشخُص إلى القطاع الباسل، تترقّب، بلهفة شديدة، تعزيز بنية ذلك الجسر الوطني المأمول، ردّاً عسكرياً مدوّياً من الفصائل المسلحة، على الاعتداءات المتكرّرة من قوات الاحتلال التي كانت تخشى مثل هذا الرد، وتتحسّب له، بل وتحذّر من الانجرار إلى معركة لا تريدها في هذه الآونة، الأمر الذي تَكوّن معه معادل معنوي مناسب لسكّان المدن المستباحة، وأوجد، في الوقت ذاته، معادلة ردع فلسطينية نسبية محدودة، هي الأولى من نوعها  في تاريخ الصراع المديد.
بعد معركة سيف القدس، وقعت سلسلة طويلة من الاقتحامات الدامية في القدس وجنين ونابلس وغيرها من المدن والبلدات والمخيمات في عموم الضفة الغربية، فيما ظلّ سيف القدس هاجعاً في غمده، رغم تأكيد "حماس" أنه لن يعود إلى الغمد أبداً، الأمر الذي راح يملأ كأس المرارة بجرعاتٍ متزايدة من خيبة الأمل، ويطرح التساؤلات عما إذا كانت الحركة المجاهدة قد أعادت تقييم موقفها المعلن، وتبدّلت أولوياتها في الواقع من دون إعلان، نظراً إلى ظروف غزّة المحاصرة والمنهكة، أو ربما لثقل التهديدات الإسرائيلية بتصفية القادة وتشديد الحصار الجائر أكثر فأكثر على نحو مليوني غزّي معزول عن العالم.
من بين جملة الاعتداءات الوحشية على الضفة الغربية، يمكن الإشارة إلى أربعة منها، كان كل منها كافيا، حسب الوعود المقطوعة، لاستلال السيف، اثنان في جنين واثنان في نابلس، ناهيك عن مرّات عديدة في القدس، نادى فيها المتظاهرون قائد حركة حماس في غزة، رافع شعار "الدم بالدم"، هاتفين "يا سنوار ويا سنوار خلى القدس تولع نار"، إلا أن ردود الفعل الصادرة من القطاع بقيت في حدود البلاغة الكلامية عن الاستعداد والحضور والجاهزية، وكان جديد هذه المواجهات وأشدّها وطأة على النفوس تلك التي وقعت في نابلس وأسفرت عن ارتقاء 11 شهيداً وأكثر من مائة جريح. 
على أن واقعتين بارزتين تشيران معاً إلى أن شيئاً ما قد تبدّل لدى "حماس". برزت الأولى خلال العدوان المبيّت على حركة الجهاد الإسلامي في مايو/ أيار الماضي، والذي استمر 55 ساعة متواصلة، ودار في مواقع مجاورة لحركة حماس، وأدّى الى استشهاد قادة الصف الأول الميداني للحركة المقاتلة وحدها، من دون ان تُحرّك الحركة الإسلامية ساكناً، الأمر الذي سجّل سابقة غير مسبوقة في تاريخ الكفاح الفلسطيني ضد كل عدو أو غريم، وجعل رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه، يئير لبيد، يفاخر بأن أهم إنجاز استراتيجي حققه الاحتلال يومها، إبقاء "حماس" على الحياد.
وتجلت الواقعة الثانية من خلال التكتيكات الإسرائيلية المعتمدة منذ الانتفاضة الثانية عام 2000، حيث كان الاحتلال يستهدف قوات السلطة الفلسطينية كلما نفّذت "حماس" عملية عسكرية، وهو ما درجت عليه الحكومات الإسرائيلية لاحقاً، ضد سلطة الأمر الواقع هذه المرّة، كلما أطلق أحد الفصائل الصغيرة صاروخاً على أيّ من المستوطنات المحاذية. إذ من الملاحظ أن "حماس" تكظم غيظها، وتمتنع عن الرد على العدوان، الذي يطاول أهم مواقعها العسكرية، طالما أن القصف الجوي لا يوقِع أي إصابة بين المجاهدين، ولا يؤدّي إلى تقويض آخر بقعةٍ على الأرض باقية تحت حكم الحركة الإخوانية.
إزاء ذلك كله، يمكن الافتراض أن "حماس"، تحت ضغوط مختلفة، منها أن غزّة تحمّلت فوق طاقتها، قد بدّلت أولوياتها المرحلية، من دون أن تغيّر خياراتها الاستراتيجية، وأن سياسة "صفر ردود فعل" المكلفة معنوياً وسياسياً، أملتها جملة من الحسابات المستمدّة من تجاربها الذاتية السابقة، وآخرها معركة سيف القدس التي لم تُحسن الحركة الإسلامية الاستثمار فيها، وضاعت نتائجها الأولية الطيبة على مذبح سوء التقدير والأنانية الفئوية، سيما حين اعتقد بعضهم أن هذه المعركة تعادل معركة الكرامة عام 1968 التي مكّنت حركة فتح من الإمساك بعد أشهر قليلة بزمام القرار السياسي الفلسطيني.
ومع الإدراك أن النقاش في هذه المسألة أمر محرج لكل الأطراف الفلسطينية المسؤولة، سيما في أثناء تصاعد العدوان على الضفة والقطاع، إلا أن الحقيقة أعلاه تتراءى من خلف الستارة الشفيفة وتخبر عن نفسها بنفسها.

45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي