حرب غزّة... المفاجأة والصدمة
أبرز مسألة في الحرب التي شنّتها حركة حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي هي المفاجأة. ورغم أنها تعدّ من بين الشروط الأساسية في كل الحروب، فإن المفاجأة في هذه الحالة جديرة باهتمام خاص، كونها الوجه الآخر للفشل الاستخباراتي الإسرائيلي الفاضح على عدّة مستويات، والذي يمكن تقدير حجمه الأولي من خلال عدم وجود استعدادات لمواجهة عملية عسكرية من غزّة، يمكن أن تكبّد إسرائيل خسائر بالحجم الذي تعرّضت له في اليومين الأولين. ولا يقتصر الفشل على سوء التقديرات أو القراءات الإسرائيلية المستخفّة بالحالة العسكرية التي وصلت إليها قوة "حماس"، بل يتجاوزها إلى النظام الأمني الذي بنته إسرائيل على حدود قطاع غزّة، وصرفت عليه مبالغ كبيرة، حيث تجاوزت كلفة الجدار الأمني بطول تسعة كيلومترات أكثر من مليار دولار، بالإضافة إلى فشل الرصد من خلال الطائرات المسيّرة والكاميرات الحرارية والأقمار الصناعية والتصوير من الجو الذي تقوم به طائرات التجسّس المتخصّصة، بالإضافة إلى العملاء والمخبرين والتعاون الأمني مع أجهزة السلطة الفلسطينية الذي يعدّ أحد ضمانات الأمن الإستباقي الإسرائيلي.
أعقبت حرب أكتوبر/ تشرين الأول، قبل 50 عاما، سلسلة من التحقيقات الاسرائيلية في التقصير والفشل في عدم وجود أي تقديرات لاحتمال حربٍ عربية ضد اسرائيل، وشملت حتى رئيسة الوزراء الإسرائيلية في حينه غولدا مائير، التي مثلت أمام لجنة غرانات. ورغم أنها استطاعت أن تفلت من الإدانة، فإن الرأي العام ووسائل الإعلام في إسرائيل وخارجها حمّلوا حكومتها مسؤولية الفشل في عدم استشراف حرب كبيرة، شنّتها كل من مصر وسورية، وتمكن الجيشان، المصري والسوري، خلال ساعات، من عبور خطوط حرب حزيران/ يونيو (1967). ومن المبكّر اليوم تشكيل لجان تحقيق مماثلة في الاختراق الكبير الذي قامت به حركة حماس في غزّة، ولكن الوقت الذي تتحدّد فيه المسؤوليات سيأتي، وتتكشّف الحقائق. وإلى حين ذلك، تعدّ هذه المسألة الشاغل الأساسي للرأي العام والإعلام في اسرائيل وخارجها، الكل يتساءل عن غياب الأجهزة المتخصّصة بالأعمال الاستخباراتية والرصد والمراقبة وتحليل المعلومات. وعلى هذا الأساس، ستبقى هناك صدمة كبيرة لن تشفى منها إسرائيل، على الأقل، في وقت قريب، وخصوصا أن كلفتها كبيرة على مستوى الأرواح، والحالة النفسية للمجتمع الإسرائيلي الذي وصل إلى حالة من الانفصام عن الواقع، ولم يعد يحسب أي احتمال لرد فعل شعبٍ يعيش تحت احتلال استيطاني استعماري، وصار يتصرّف على اساس أنه حسم الصراع لصالحه، طالما أنه يمتلك جيشا قويا وعشرات الرؤوس النووية، عدا عن أن بعض العرب يتسابقون للتطبيع مع إسرائيل بلا ثمن، وهي ترفُض معادلة السلام مقابل السلام، وأخذت تفرض على بعض هؤلاء مقابلا، كي تقيم علاقات معهم.
ما هو أخطر من الفشل الاستخباراتي عدم اهتمام أصدقاء اسرائيل في الولايات المتحدة وأوروبا، في تقدير عواقب ما يمكن أن تقود إليه الحكومات الاسرائيلية المتوالية، منذ مقتل إسحق رابين على يد متطرف يهودي عام 1995، لأنه وقّع اتفاق أوسلو مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ومن بعد ذلك، اجتياح الضفة الغربية عام 2002 واغتيال عرفات عام 2004، والتراجع عن اتفاق أوسلو، واتّباع سياسة استيطان مكثف، هدفها تهويد الضفة الغربية وتهجير أهلها. وتعمل حكومة إسرائيل الحالية التي يقودها المستوطنون على ذلك بوسائل مختلفة، ما حوّل الضفة الغربية، خلال الأشهر المنصرمة من هذا العام، مسرحا حيا لحرب المستوطنين على الفلسطينيين، بدعم جيش إسرائيل وشرطتها، وبإشراف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وكل عمليات القتل اليومي واقتحامات الضفة الغربية وفتح أبواب المسجد الأقصى للمستوطنين تجري، ولم تحظ بأي ردّ فعل من أميركا وأوروبا، بما في ذلك عدم تنبيه قادة إسرائيل إلى عواقب سياساتهم الاستعمارية.