26 أكتوبر 2024
حرب المحمّدين في النفق اليمني
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
يحفل الإعلام السعودي والإماراتي، منذ أيام، بالحديث عن تقدّمٍ تحققه قوات الشرعية اليمنية على قوات الحوثيين في مدينة الحديدة، وهو أمر ما كان ليحصل لولا الدعم الذي وفرته الولايات المتحدة للتحالف السعودي الإماراتي الذي تسانده قوات سودانية ومرتزقةٌ أجانب من أميركا اللاتينية و"بلاك ووتر".
يحتاج التقدّم الذي يقدمه الإعلام الإماراتي السعودي انتصارات كبيرة إلى فحص ميداني، لأن المبالغة طبعت أخبار المعارك، والأخبار في إعلام الدولتين اللتين تقودان الحرب وتمولانها تتحدّث، على نحو يومي، عن تقدّمٍ يحصل منذ انطلاق عاصفة الحزم في مارس/آذار 2015، ولو أن الجيوش كانت تتقدم فعلا، وفق حسابات جنرالات السعودية والإمارات، لكانت قطعت مسافة أبعد من الطريق إلى آلاسكا. وتبين أن أكبر المعارك التي دارت بعد تحرير عدن في يوليو/تموز 2015 لا تزال ثابتة في مكانها، وهذا ينطبق على مدينة تعز التي باتت مقسمة بين الطرفين، وما حصل من تقدّم لا يتجاوز الساحل الغربي وصولا إلى الحديدة، حيث تدور معارك منذ حوالي عام، ولكنها باتت بالغة الكلفة، من الناحية الإنسانية، منذ دخلت طورها الحالي في يونيو/حزيران الماضي، وذلك حين قرر التحالف السعودي اقتحام المدينة من أجل السيطرة على الميناء تحت ذريعة وقف تدفق السلاح الإيراني إلى الحوثيين.
تسير المعركة في الحديدة مثل مثيلاتها في بقية المناطق، وسط تعتيم إعلامي وبروباغندا تهلل لانتصاراتٍ ووعود بالحسم السريع والانتقال إلى حصار صنعاء، بينما لم يتم تحقيق اختراق فعلي يشكل انعطافة في الحرب غير الذي جرى الإعلان عنه قبل أيام، وهو قطع الطريق بين صنعاء والحديدة.
حرب ارتجالية تفتقر إلى بديهيات الحرب، أي التخطيط وتحديد الأهداف القريبة والبعيدة، وقد جرت، منذ البداية، في ليلٍ، وبقرار من الملك سلمان ونجله، وكلاهما لا يعرف عن الحروب شيئا، لا كيف تبدأ ولا كيف تنتهي؟ ولذا غاصت السعودية والإمارات في رمال اليمن، حتى بات الخروج منها أصعب من البدء بها.
في الحروب، عادة، هناك هدف سياسي، يعمل القادة العسكريون لتحقيق نصر عسكري من أجل مساعدة الساسة إلى الوصول اليه، أما هذه الحرب فهي خليط من السياسة والعسكرية، محمولة على حسابات سعودية ضيقة تجاه اليمن وأهله، وبسبب انعدام الرؤية لدى السعودية، وتركيز الإمارات على استعمار الجنوب، تحولت الحرب من مواجهة المشروع الحوثي إلى حملة على اليمن. ولهذا السبب، دفع فاتورتها الأساسية المدنيون، وسيبقى الشعب اليمني الضحية المباشرة لها، ومن النتائج الكارثية حتى الآن انتشار الأمراض مثل الكوليرا، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، بسبب تعطل الموارد وشدة الحصار وتوقيف رواتب الموظفين ودمار البنى التحتية، وما صدر عن المنظمات الإنسانية من تقارير عن المجاعة التي تهدّد مليون طفلٍ لا مبالغة فيها، بل الوضع الإنساني مرشح لتدهور أكبر، في ظل قطع طريق صنعاء الحديدة، باعتبارها شريان تموين العاصمة بالسلع الآتية من الخارج.
توفر إيران، عن طريق الحوثيين، ذريعة مثالية لتدمير اليمن، وشكلت مقاطعة الحوثيين جولة المفاوضات في جنيف، قبل أيام، مثالا صريحا على تحكّم إيران بقرار الجماعة الحوثية، واستخدام اليمن ورقة في الخلافات بين طهران وواشنطن، وهذا يفسّر، من جانب آخر، دخول إدارة الرئيس دونالد ترامب بقوة على خط معركة الحديدة، وحديث وزير الخارجية، مايك بومبيو، خلال جلسة استماع في الكونغرس الأميركي عقدت قبل أيام، بتأكيده أن السعودية والإمارات "تتخذان خطوات ملموسة للحد من خطر الإضرار بالمدنيين والبنية التحتية المدنية جرّاء عملياتهما العسكرية" في اليمن.
يساعد التجاذب السعودي الإيراني على إطالة أمد الحرب، في حين يوغل محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، عميقا، في نفقٍ لا تبدو نهايته قريبة.
يحتاج التقدّم الذي يقدمه الإعلام الإماراتي السعودي انتصارات كبيرة إلى فحص ميداني، لأن المبالغة طبعت أخبار المعارك، والأخبار في إعلام الدولتين اللتين تقودان الحرب وتمولانها تتحدّث، على نحو يومي، عن تقدّمٍ يحصل منذ انطلاق عاصفة الحزم في مارس/آذار 2015، ولو أن الجيوش كانت تتقدم فعلا، وفق حسابات جنرالات السعودية والإمارات، لكانت قطعت مسافة أبعد من الطريق إلى آلاسكا. وتبين أن أكبر المعارك التي دارت بعد تحرير عدن في يوليو/تموز 2015 لا تزال ثابتة في مكانها، وهذا ينطبق على مدينة تعز التي باتت مقسمة بين الطرفين، وما حصل من تقدّم لا يتجاوز الساحل الغربي وصولا إلى الحديدة، حيث تدور معارك منذ حوالي عام، ولكنها باتت بالغة الكلفة، من الناحية الإنسانية، منذ دخلت طورها الحالي في يونيو/حزيران الماضي، وذلك حين قرر التحالف السعودي اقتحام المدينة من أجل السيطرة على الميناء تحت ذريعة وقف تدفق السلاح الإيراني إلى الحوثيين.
تسير المعركة في الحديدة مثل مثيلاتها في بقية المناطق، وسط تعتيم إعلامي وبروباغندا تهلل لانتصاراتٍ ووعود بالحسم السريع والانتقال إلى حصار صنعاء، بينما لم يتم تحقيق اختراق فعلي يشكل انعطافة في الحرب غير الذي جرى الإعلان عنه قبل أيام، وهو قطع الطريق بين صنعاء والحديدة.
حرب ارتجالية تفتقر إلى بديهيات الحرب، أي التخطيط وتحديد الأهداف القريبة والبعيدة، وقد جرت، منذ البداية، في ليلٍ، وبقرار من الملك سلمان ونجله، وكلاهما لا يعرف عن الحروب شيئا، لا كيف تبدأ ولا كيف تنتهي؟ ولذا غاصت السعودية والإمارات في رمال اليمن، حتى بات الخروج منها أصعب من البدء بها.
في الحروب، عادة، هناك هدف سياسي، يعمل القادة العسكريون لتحقيق نصر عسكري من أجل مساعدة الساسة إلى الوصول اليه، أما هذه الحرب فهي خليط من السياسة والعسكرية، محمولة على حسابات سعودية ضيقة تجاه اليمن وأهله، وبسبب انعدام الرؤية لدى السعودية، وتركيز الإمارات على استعمار الجنوب، تحولت الحرب من مواجهة المشروع الحوثي إلى حملة على اليمن. ولهذا السبب، دفع فاتورتها الأساسية المدنيون، وسيبقى الشعب اليمني الضحية المباشرة لها، ومن النتائج الكارثية حتى الآن انتشار الأمراض مثل الكوليرا، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، بسبب تعطل الموارد وشدة الحصار وتوقيف رواتب الموظفين ودمار البنى التحتية، وما صدر عن المنظمات الإنسانية من تقارير عن المجاعة التي تهدّد مليون طفلٍ لا مبالغة فيها، بل الوضع الإنساني مرشح لتدهور أكبر، في ظل قطع طريق صنعاء الحديدة، باعتبارها شريان تموين العاصمة بالسلع الآتية من الخارج.
توفر إيران، عن طريق الحوثيين، ذريعة مثالية لتدمير اليمن، وشكلت مقاطعة الحوثيين جولة المفاوضات في جنيف، قبل أيام، مثالا صريحا على تحكّم إيران بقرار الجماعة الحوثية، واستخدام اليمن ورقة في الخلافات بين طهران وواشنطن، وهذا يفسّر، من جانب آخر، دخول إدارة الرئيس دونالد ترامب بقوة على خط معركة الحديدة، وحديث وزير الخارجية، مايك بومبيو، خلال جلسة استماع في الكونغرس الأميركي عقدت قبل أيام، بتأكيده أن السعودية والإمارات "تتخذان خطوات ملموسة للحد من خطر الإضرار بالمدنيين والبنية التحتية المدنية جرّاء عملياتهما العسكرية" في اليمن.
يساعد التجاذب السعودي الإيراني على إطالة أمد الحرب، في حين يوغل محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، عميقا، في نفقٍ لا تبدو نهايته قريبة.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر