حرب أوكرانيا وتحركات إيران وإسرائيل

05 مارس 2023

جنود أوكرانيون قرب باخموت يطلقون مدفعا باتجاه مواقع روسية (4/3/2023 فرانس برس)

+ الخط -

تبدو الولايات المتحدة ماضية بحزم وعزيمة متجدّدة في دعم أوكرانيا وتزويدها بكل ما يلزم لوقايتها من الهزيمة. وقد قال الرئيس جو بايدن، بكل وضوح، إن هزيمة هذا البلد ممنوعة، وعزّز ذلك بتشجيع بعض دول أوروبا التي وافقت على تزويد أوكرانيا بالسلاح والذخائر المتطورة، ودعمها بمدرّبين يعلّمون الجيش الأوكراني طريقة استعمال هذه الأسلحة... تخفي هذه اللهفة الأميركية على أوكرانيا صراعاً أعمق، وجبهة أعرض من جبهة باخموت وكلّ الشرق الأوكراني، بعد أن استعرضت كلّ الأطراف مقدّراتها في الحشد. وتبدو خطوط الجبهة أكثر وضوحاً حالياً، إذ تصطف الولايات المتحدة ومن خلفها أوروبا الغربية في جانب، بينما تقف روسيا ومعها إيران بكلّ وضوح في الجانب الآخر، مع بوادر انضمام صيني وشيك، بعد أن فشلت قمة مجموعة العشرين، قبل يومين، في إصدار بيان ختامي لاجتماعها الوزاري، وألقت الصين مع روسيا باللوم على الغرب، لتبدو النيران المتأجّجة أكبر بكثير من الحرائق المندلعة في شوارع المدن الأوكرانية. ويظهر اصطفاف يذكِّر بمرحلة الستينيات والسبعينيات حين كانت الحرب الباردة على أشدّها، وكان العالم مقسوماً، وعلى كلّ دولة أن تعلن أين تقف. ولا يبتعد الموقف الحالي ولا طريقة التحشيد والتموضعات الدولية عن تلك المناخات التي تشتمّ فيها روائح البارود في بؤر توتّر يجري تخليقها أو افتعالها، للمحافظة على الجبهة الساخنة، رغم أنّ الجميع يعرف أنّ معنى انتصار أي طرف دمار عالمي شامل.

بوصفها نقطة المواجهة الرئيسية مع المنافس التقليدي الروسي، تعتبر أوكرانيا اليوم من أولويات السياسة الأميركية التي تراجع اهتمامها بإيران، بعد أن كانت الحملة الانتخابية لبايدن قد قامت على أساس إعادة العمل بالاتفاق النووي الذي حظي باهتمام واضح، بعيْد تسلم بايدن منصبه، فعَيَّن مبعوثاً خاصاً للمهمة، وعُقدت بالفعل مجموعة من الاجتماعات نتجت عنها تصريحات متفائلة، ثم عاد كلّ شيء إلى نقطة الصفر. وتراجعت القضية إلى المقاعد الخلفية، حين صعدت حرب أوكرانيا إلى المرتبة الأولى، وكانت إيران قد استغلّت بالفعل هذه الفرصة. وبطريقة مقصودة، استفزّت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فأجرت عمليات تخصيب غير شرعية، بالتوازي مع توريد أسلحة وطائرات مسيّرة إلى روسيا، استعملت أسراباً منها لقتل الأوكرانيين. والأمر الذي يزيد تعقيد المسألة الإيرانية اليوم إعلان وكالة الطاقة الذرية عن عثورها على جزيئات يورانيوم مخصّبة بنسبة 86%! وبحسب خبراء الأسلحة النووية، هذه النسبة قريبة جداً من نسبة الوصول إلى النقاء النووي اللازم لإنتاج القنبلة، وهو خبرٌ يجب أن يثير بايدن، كما يثير إسرائيل، وقد يتطلّب خطواتٍ عملية وسريعة. وقد وصلت إيران بالفعل إلى العتبة النووية. لكن، كيف يمكن لبايدن الغارق في أوكرانيا، والمشغول إلى أقصى درجة في ترتيب الحلف مع أوروبا، أن يتعامل مع قضية أصبحت بهذه الخطورة. أما إسرائيل فقد لا تنتظر تحرّك بايدن الذي تعرف أنه بطيء جداً نحو إيران.

تعتقد إيران أنّ حرب أوكرانيا قد أفسحت المجال لتشكيل أحلاف متضادّة، وهذه فرصة مناسبة لتتقدّم خطوات في برنامجها النووي، بينما أميركا مستغرقة في الجبهات الأوكرانية وسياسة التحشيد الأوروبية لتدعيم حلفها. أما إسرائيل التي تبدو متردّدة، فربما لا تبقى كذلك إذا استمر هذا التسارع. وربما هي تدرس احتمالات تحريك تحالفاتها، إذ تبدو غير مهتمة بأوكرانيا، أو مكترثة إن خسرت أو كسبت، وقد عاملت الرئيس الأوكراني، فلودومير زيلينسكي، بجفاء، حين توسّل المساعدة عبر خطاب تلفزيوني ذكَّر فيه إسرائيل بيهوديته. وأمام إسرائيل الآن أن تقرر، وقد حث بايدن رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بالفعل على اتخاذ مواقف أكثر جدّية تجاه موسكو، لكنّ تغير بعض القواعد يغير المواقع، وموقع إسرائيل بالتحديد مرشّح للتغيّر، وأول ما يمكن أن تقوم به إعلان موقف جديد من الحرب في أوكرانيا.