حديث يذكّرنا بأماني الخيّاط
في أوقات الحرب، ونحن في حربٍ عالمية حقيقية، لا تسألني إلا عن "الرافال" والرغيف والمسلسلات، ولا تسألني أبداً عن المرتبات، ولا مرتب الأميركي أو البحريني أو القبرصي أو الجزائري، لأن ثمن لتر البنزين عندنا أقل منهم بسنتات، وما أحوجنا إلى السنت في سد ثغرات الموازنة بعد موسم الحج الذي بُعثرَت فيه الملايين من الدولارات لشراء السبحات والسجادات وعندنا منها الملايين. وحرام حتى على الاقتصاديين، ونحن لم نخرج بعد من إجازة العيد الكريم، عيد الأضحى الذي أراد النبي إبراهيم، لولا لطف الله، أن يضحّي بابنه إسماعيل، وأنتم تدخلوننا في فرق الأجور، وكان الأجدر بالمواطن أن يضحّي من أجل دولته، كما أراد النبي إبراهيم أن يضحّي بابنه، وأنتم غير مستعدّين لأن تضحّوا بجنيه للبنزين من أجل الدولة، ثم تتساءلون عن فارق الأجور في الدول المتقدّمة عنا بقرون، علاوة على أن النظر إلى مرتبات الغير بالدولار يعتبر تدخلاً في أرزاق الله وقسمته ونصيبه والقضاء والقدر، ويقلل من شأن عملة بلادنا، وهذا شعورٌ غير وطني بالمرّة يدخل الجماهير في موجات السخط التي يتمنّاها أهل الشر في بلادنا.
وعلاج ذلك بالطبع موجود في فقهنا الحنيف وميسّر بالطبع، والشيخ أحمد كريمة رهن الإشارة، أو لعلّه الآن في الاستوديو المجاور وكتاب الله بيمينه، وهو تحت الطلب، وإن أردتم النوع "الكاجوال"، فالشيخ خالد الجندي في الاستوديو أيضاً يتكلم عن موضوع "الثقة بالله"، بالجلباب المغربي المحترم، وإن أردتموه "بالباريه" أو حتى البرنيطة اليونانية، فهذا عز الطلب ومنتهى أمله ومناه، وإن أردتموه بالجلباب الفلاحي الصعيدي والصديري الإسناوي المحترم، ففي حقيبته نصف دستة محترمة أيضاً. أما لو أردتم العمامة، وذلك هو المفضل لديه في المناسبات الدينية المرتبطة بالوحي، فلا مانع أيضاً، لكن أن "نهلفط"، في ما لا نفهمه أو نعلمه وندخل أنفسنا ودولتنا في ارتباكات لا داعي لها الآن والحروب تدقّ على أبواب المدن، والحبوب تكاد تنقطع عن أفران العالم، بما فيها باريس ونيويورك ومانهاتن، فهذا هو البطر بعينيه ورجليه.
والآن، نعود إلى حديث المرتبات، تلك اللبانة الممجوجة على ألسنة الاقتصاديين وأصحاب النظريات المكتبية التي لا تعي أي شيء عن واقع قدراتنا المتاحة، متناسية مائة مليون مواطن. ويزيد سهر سيادة الرئيس على إكمال البنية التحتية لدولتهم من الرغيف "أبوشلن"، حتى "ديسكات" الفصول، فما نفع مرتب بآلاف الدولارات في الغرب والدول الثرية هنا وهناك، تطير في الهواء مع أقساط السيارات والشقق الفاخرة والمصايف وتذاكر الطائرات وملاعب الغولف والعياذ بالله الخمور؟ ثم لو كنا منصفين حقاً، لفكّرنا كم هي تكلفة أمن المواطن في أميركا، الذي يدفع ثمنها المواطن ضرائب من دولاراته عديمة البركة. ورغم ذلك، يحصل القتل يومياً في المدارس وأمام الكنائس والميادين، ونحن قد استتبّ لنا الأمن والأمان بهذه المرتبات البسيطة محل المقارنة ورهان الخونة والمزايدين علينا. أما لو أراد الجهابذة من كارهي الدولة توسيع رقعة المقارنة ما بين مرتباتنا القليلة ومرتباتهم، عالية الدسم والجودة، فعليهم أن يقارنوا الفاقد منها، هناك، في مطاراتهم لحجز تذاكر الطيران، نتيجة الضغوط العصبية والاكتئاب والأمراض النفسية والخيانات الزوجية، وغيرها من تلك الأمور الشائنة. أما عن الحبوب المهلوسة والمهدئة وعمليات التجميل وشفط الدهون ومستشفيات الأمراض النفسية المليئة بالشباب والشابات، فحدّث ولا حرج، ولا تكفي لرصدها مجلدات، إلا أن علماء النفس في بلادنا في نوم شديد وغيبوبة للدفاع عن الدولة، اللهم إلا واحداً هنا أو هناك يلقي بنفسه من فوق كوبري للشهرة والاستعراض، أو من فوق برج الجزيرة، نتيجة ضعف التحصينات الأمنية، وهزار الشباب السخيف أمام الفتيات لمحاولة شد الانتباه. وعلى الاقتصاديين الجهابذة أن يشيروا إلى المشروعات القومية التي غطّت طول البلاد وعرضها، فهي بمثابة مرتّبات ضخمة محجوزة في شكل وظائف مجمّدة للأجيال القادمة من أطفالنا، حينما يحين قضاء الله وقدره، لا أن نمشي في "طريق الشر"، وليس بعيداً أو من المستحيل أن يكون "الإخوان" قد نقلوا مخطّطاتهم وألاعيبهم التي أفشلناها في 30/ 6، إلى سريلانكا، وغداً تتضح الخيوط الغامضة في اللعبة.