حاشية في إعلام الزلازل
غالباً ما تكون الكوارث الطبيعية والبيئية مفاجِئة، وإن يُطنِب علماء ومختصّون في القول إن مسوحاتٍ وأبحاثاً ودراساتٍ تسبقها تُنبئ عن توقّع حدوثها، بل قد تحدّد مواقيتَ لها أكثر احتمالا. وبشأن أهل العمل الإعلامي، الإخباري العام تعيينا، في المؤسّسات ذات الإمكانات والتي تتوفّر على إداراتٍ وقياداتٍ تتّصف بالابتكار وروح المبادرة والحيوية، لم تعد صفة المفاجأة هذه عائقا أمام الإسراع بمتابعة الأخبار المتتالية لكوارث الزلازل والفيضانات والأعاصير، والإحاطة بجميع ما يتّصل بهذه الكوارث من تفاصيل وأبعاد إنسانية ووجدانية واجتماعية واقتصادية. وذلك بفعل الخبرة التي تأتّت لهذه المؤسّسات، فضائياتٍ وصحفا ومواقع إخبارية ومنصّات، بعد أن توالت نوائبُ كبرى في غير منطقة. وهذا الزلزال الكبير الذي ضرب ليل الجمعة الماضي في المغرب، في مراكش ومحيطها ومناطق أخرى، يأتي بعد شهورٍ من الزلزال المهول الذي ضرب، في فبراير/ شباط الماضي، مناطق واسعة في تركيا وسورية. وفي الوُسع القول إن بضع مؤسّسات إعلاميةٍ عربيةٍ كبرى تميّزت كثيرا في أدائها العام، الإخباري والتحليلي والتثقيفي والإنساني، في غضون النائبة التي حلّت في سورية وتركيا. وإذ ننشدّ في هذه الأيام، في مشاعر فيّاضة، إلى الأخبار في التغطيات المتتابعة لحدث الزلزال في المغرب، فإنه القول نفسُه، إن الجهود التي تؤدّيها بعض المؤسّسات الإعلامية في هذا تستحق التثنية، سيّما وأن الحرص ظاهرٌ لديها على الحضور الميداني والبثّ الحي من مواقع ضربها الزلزال، وأحدَث فيها الأضرارَ المُشاهَدة، كما هو الحرص بادٍ على التحقّق من المعلومات والإحصائيات من مصادرها الرسمية والمختصّة والمعنيّة، وكذلك على التواصل مع المراجع المتعدّدة والخبراء العارفين والناشطين الميدانيين والعاملين في الإنقاذ والإغاثة، فضلا عن الأهالي والسكّان ممن أفقدهم الزلزال أقارب ومعارف لهم ومساكن وبيوتا ومصالح وأعمالا.
كأن هذا المجهود الذي ينكبّ عليه أهلوه المصوّرون والصحافيون في تقاريرهم ورسائلهم الإخبارية ومحاوراتهم بشأن الزلزال وتداعياته وآثاره العريضة، وكذا المشرفون وأصحاب الصنعة في غرف التحرير والمتابعة، كأنه يأخُذنا إلى واحدةٍ من وظائف الإعلام التقليدية التي كثيرا ما يجري إغفالها، سيما وأن الإتيان عليها غالبا ما يكون في سياق الدرس الكلاسيكي لهذه الوظائف، وهي المشاركة الوجدانية التي يتوخّاها الإعلام لدى المتلقي (القارئ والمشاهد والمستمِع) عندما يزوّده بمادة إعلامية ذات شحنة إنسانية خاصّة. وإذ يبقى على الإعلامي أن يزاول مهمّته بدافع البحث عن الحقائق والمعلومات الموثّقة، وليس بباعث إشاعة عواطف وانفعالات ومشاعر وجدانية، فإن مؤدّى أدائه، في انشغاله بمآسٍ بشرية وبوفيّاتٍ ضحايا جرّاء نازلةٍ طبيعيةٍ مباغتة، سيفعل أمرا كهذا، أي أنه سيُحدث أثرا وجدانيا وإنسانيا خالصا، وإنْ يلزم، في الأثناء، الحذر من تجاوز خصوصيات الأفراد واستثمار فواجع وملمّات شخصية لدى الأفراد بغرض سبقٍ إخباري أو إحداث أثرٍ شخصاني مقصودٍ بذاته.
ومع توالي النوائب الطبيعية ومفاجآتها، يجري حديثٌ ذائعٌ عن "الإعلام الإنساني"، الموصول بذاك القريب منه "إعلام الكوارث"، وعن وجوب تأهيلٍ خاصٍّ لمن يباشرونه، أو من هم مُنتَدبون له ساعة تفاجئ النازلة البلاد والعباد. ذلك أن ثمّة حزمةٌ من الإرشادات والضرورات (والنصائح، لمَ لا؟)، والتوجيهات أيضا، يلزم أن يأخذ بها الزميل الذي ينقل مادّته إلى الجمهور العام، من حيث أيٍّ من مواقع الزلزال وأضراره، ومن حيث يتقصّى أحوال المتضرّرين وذوي الضحايا والمفقودين. وتلك الإرشادات (و...) مغايرةٌ، بداهة، عن التي يتطلّبها الأداء الإعلامي في شؤون أخرى، مؤتمراتٍ ومهرجاناتٍ ومفاوضاتٍ و... .ولا تنفي هذه البديهية التي يجري التذكير بها هنا بمناسبة ما نحنُ عليه منذ أيام، نتابع الزلزال في المغرب، أن الذي يعمل في الإعلام والصحافة والاتصال (الجماهيري) مطالَبٌ بتنويع اهتماماته، وبمعرفة المشتركات في المهمّات الصحافية، غير أن للذي يُطلق عليه "إعلام الكوارث" حزمة من الخصوصيات، تجعل له منظورا متمايزا إلى حدٍّ بعيد، ليس فقط من حيث الخطورة التي قد تكون ماثلة، أو بعضِها، وإنما أيضا من حيث العمل صدورا عن حسٍّ إنسانيٍّ متّسقٍ مع شروطٍ مهنيةٍ لا يحسُن التسامح معها.
حمى الله المغرب والمغاربة والجميع.