جيش الوزير ووزير الجيش

جيش الوزير ووزير الجيش

10 أكتوبر 2022

(معمّر مكّي)

+ الخط -

ليس ثمّة شك في أن المصريين العاديين، البسطاء المدنيين، لا يحتاجون من يذكّرهم بأهمية جيشهم، ودوره في حماية الأمن القومي للبلاد، أو يعلّمهم احترام دماء شهدائهم فيه وتضحيات أبطاله، لكن المؤكّد أن السادة العسكريين الذين أعلنوا سيطرتهم على الحياة المدنية في حاجةٍ شديدةٍ إلى من يعلّمهم كيف يحترمون شعوبهم، أو بالأحرى كيف يحترمون المجتمع ويحافظون على علاقة طبيعية وهادئة بين الجيش والشعب، ويدركون أن الشعب هو الأصل والأساس، وأن الشعوب هي التي اخترعت جيوشها وليس العكس.
تأسيسًا على ذلك، حين تنتصر الأمم أو تنهزم، فإن حلاوة النصر أو مرارة الهزيمة تكونان للشعب ولجيشه معًا، ومن ثم لا يصحّ أن يمتهن أحد الطرفين العلاقة بممارسة أشكالٍ من المنّ أو المعايرة أو ادّعاء الأفضلية، وخصوصًا من الطرف الأقوى ماديًا وهو الجيش.
هذه من المفترض أنها بدهيات ومسلمات لا تتطلب إيضاحًا أو تكرارًا، لولا أن الجنرال كامل الوزير، وزير النقل المصري لم يجد ما يقوله للشعب المصري، وهو يحتفل بأعياد انتصار أكتوبر 1973 سوى كلمات يمنّ بها على المواطنين فيقول: "لولا الجيش المصري لكانت سيناء محتلة ولكان الاقتصاد موجها للحرب ولا تتحقق تنمية".
هذا الكلام، شكلًا ومضمونًا، يمثل إهانة للقوات المسلحة قبل أن يكون نوعًا من الخطاب المسيء لمفهوم الأمة ومعنى الشعب، وجوهر العلاقة بين الجيش والمجتمع، ذلك أن الانتصار كان انتصار المصريين والعرب، عسكريين ومدنيين، حيث خاض الجميع الحرب ذاتها، وإن على جبهات مختلفة، وبدرجات متفاوتة.
لا أدري إذا ما كان وزير النقل المصري القادم من المؤسسة العسكرية على دراية بالأدوار الرائعة للجزائر والعراق، فضلًا عن الشراكة الكاملة مع سورية، في معركة 1973 أم لا، لكن ما نعلمه يقينًا أنه لو امتدّ خط مقولة "لولا الجيش المصري لكانت سيناء محتلة" إلى بدايته ونهايته، فإنه سيقود منطقيًا وبالقياس ذاته الذي يعتمده كامل الوزير، إلى مقولة أخرى، "لولا الجيش في يونيو/ حزيران 1967 لبقيت سيناء حرة، وظلت الجولان حرّة ومعهما الضفة الغربية وقطاع غزّة"، وهذا تعفّ أنفسنا عن ترديده أو حتى تذكّره والنبش فيه، ويؤذي مشاعرنا، بوصفنا مواطنين مدنيين، أن يتقوّل به أحد على الجيوش العربية.
أيضًا، لست أعلم ما إذا كان السيد اللواء كامل الوزير يتذكّر تلك الأيام العصيبة التي انهار فيها الجيش في يونيو/ حزيران 1967 ولم يضمّد جراحه ويجبر كسوره سوى الشعب المصري، بكل قواه الحية من عمّال وفلاحين وطلبة ومهنيين أم لا؟
لكن ما ندركه أن الشعب المصري كان نبيلًا وكريمًا مع جيشه في الأوقات الحرجة، وإذا كان الجيش قد خدع الشعب في يناير/ كانون الثاني 2011، حين زعم أنه حامي ثورة المصريين وشريك فيها، فإن هذا الشعب كان واضحًا وصادقًا في حماية جيشه وترميمه بعد نكسة 1967 ثم في دعمه وتهيئته للانتصار في 1973. وكما قلت في أول احتفال بنصر أكتوبر يأتي بعد  ثورة المصريين الأنبل والأجمل في الخامس والعشرين من يناير 2011 "إذا كان جيش مصر يفخر بأنه حمى الثورة فى يناير 2011 فيمكنك بالفخر ذاته القول إن الشعب حمى الحرب والجيش في أكتوبر 1973، وهذا هو الواجب في الحالتين". 
مرة أخرى، كان كل من  أكتوبر 73 ويناير 2011 عبورا، الأول عبور للضفة الشرقية من قناة السويس، واجتياز لموانع هائلة تحول دون استرداد الكرامة المهدرة، بينما كان عبور يناير 2011 إلى الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة وقيم الدولة المحترمة.
في العبور الأول، بقي الشعب المصري على وفائه وصدقه وشهامته مع جيشه، قبل معركة أكتوبر 1973 وفي أثنائها وبعدها، بينما لم يكن الأمر كذلك في العبور الثاني إلى الحلم بدولة مدنية وعادلة ومحترمة، إذ كان هذا الشعب المطحون ضحيةً لأكبر عملية غدر وخداع مورست عليه في تاريخه، ممن ادّعى أنه شريكه في الثورة.
ليت السادة الجنرالات يتعلمون من السيد الشعب نبله وصدقه وشهامته.

وائل قنديل
وائل قنديل
صحافي وكاتب مصري، من أسرة "العربي الجديد". يعرّف بنفسه: مسافر زاده حلم ثورة 25 يناير، بحثاً عن مصر المخطوفة من التاريخ والجغرافيا