جدلُ الصهيونية والأمازيغية في المغرب
يستجدُّ الجدل بشأن علاقة الصهيونية بالأمازيغيّة في المغرب، بعدما اتهم حزب النهج الديمقراطي، اليساري المعارض، نشطاءَ أمازيغَ بدعم إسرائيل في عدوانها الذي تشنّه، منذ أكثر من ثلاثة أشهر، على قطاع غزّة، منددا بـ"موجة التَّصهيُن (..) في الحقل الثقافي الأمازيغي (..) في ظل الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على يد الكيان الصهيوني الغاشم المدعوم من طرف الإمبريالية الأميركية والأنظمة الرجعية"، وداعيا "إلى إسقاط التطبيع مع هذا الكيان، ومقاومة استعمال الأمازيغية لتبريره".
يعود التواصل بين بعض مكوّنات الحركة الأمازيغية والكيان الصهيوني إلى سنة 2009، حين أدّى أكاديميون وباحثون من الحركة زيارة ''علمية'' لدولة الاحتلال، لأجل المشاركة في ندوة عن المحرقة اليهودية نظمها مركز تفكير إسرائيلي. ثم ما لبثت أن أعقبتها زياراتٌ أخرى اتخذت صبغة ثقافية وتربوية وإعلامية. وشكّلت أسئلة المحرقة والذاكرة والهوية والموروث الثقافي اليهودي المغربي و"نشر ثقافة السلم والتعايش الديني وتشجيع الاختلاف" عناوين عريضة في التواصل الإسرائيلي الأمازيغي، الذي سعت دولة الاحتلال لتوظيفه في تغذية اتفاق التطبيع مع المغرب الذي سيرى النور في ديسمبر/ كانون الأول 2020. هذا الاتفاق، الذي عدَّتْه فعاليات أمازيغية آنذاك "نصرا تاريخيا"، تزامن مع تسويق الولايات المتحدة وحلفائها في الإقليم مشروع "صفقة القرن" الذي استهدف تعويم القضية الفلسطينية في تسوية إقليمية مشبوهة.
منح التطبيعُ المغربيُّ الإسرائيليُّ الجناحَ المؤيد للتطبيع داخل الحركة الأمازيغية هامشا أوسع لاختبار عمق التواصل الإسرائيلي الأمازيغي وقدرتِه على مجابهة مناهضي التطبيع في المغرب، بما يعنيه ذلك من تزايد حدّة التقاطب الإيديولوجي والفكري في هذا الصدد. غير أن الهجوم الذي نفذته المقاومة الفلسطينية على العمق الإسرائيلي في 7 أكتوبر أربك الحسابات في المنطقة. وكان من الطبيعي أن تُلقي المواجهة بين دولة الاحتلال والمقاومة بظلالها على الحركة الأمازيغية التي سقطت بعضُ مكوناتها في الاختبار الأخلاقي لمقتلة غزة. فقد بدت حريصة، بشكلٍ لا يخلو من دلالة، على النأي بنفسها عن التضامن مع ضحايا العدوان الإسرائيلي، في ما بدا تصفيةَ حسابات إيديولوجية مع اليسار القومي العربي والحركة الإسلامية. ومن ذلك تأكيدُ بعض نشطائها على "إدانة كل أشكال الحرب والعنف مهما كان مصدرها، مع التأكيد على حق الشعوب في التحرر، في إطار الحركات الاجتماعية الديمقراطية (..)". من السهل الوقوف على تناقضات هذا "الوضوح في المواقف"، أولها اعتبار ما يحدث في غزة حربا وليست إبادة جماعية جرّت الكيان الغاصب إلى المتابعة القضائية أمام محكمة العدل الدولية، وثانيها إدانة العنف مهما كان مصدره، علما أن هناك أعمال عنف في غير مكان في العالم، تستوجب الإدانة، فالطوارقُ، على سبيل المثال، الذين خصتهم الحركة الأمازيغية في المغرب، في نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، ببيان تضامن في مواجهة "جرائم النظام السياسي في مالي"، كانوا وراء أعمال عنف شهدتها منطقة الساحل، أبرزها اختطاف رهائن واحتجازهم من قبل "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" قبل سنوات. لكن الحركة الأمازيغية لم تأت يوما على أعمال العنف هاته، التي تندرج من منظورها ضمن "حق الشعوب في التحرّر"، في حين لا تحوز حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى (العربية والإسلامية!) هذا الحق في مواجهة مخططات الاستيطان والتهويد والأسرلـة التي تقودها دولة الاحتلال في فلسطين المحتلة.
لا يرى قطاعٌ عريضٌ داخل الحركة الأمازيغية أي حرج في القفز على مأساة الشعب الفلسطيني، بتذكيره بأن المغاربة لا ناقة لهم ولا جمل في الصراع، وبالتالي، يَجدُر بالمغرب، ذي الهوية الأمازيغية، أن ينأى بنفسه عن هذا الصراع، وأن يكون أكثر براغماتية في تعاطيه مع ما يستجد على الصعيد الإقليمي، هذا في وقت تُثبتُ فيه المواجهةُ الدائرةُ في غزة أن القضية الفلسطينية لم تعد مجرّد صراع بين كيان محتل ومستقْوٍ بالغرب وشعب مظلوم يرفض التخلّيَ عن حقوقه المشروعة، بقدر ما باتت، أيضا، عنوانا لجيلٍ جديد من حروب الإبادة التي يتواطأ فيها الغرب ونخبُه وإعلامُه وحلفاؤه في الإقليم بكل صفاقة.