تريّث على مجرى سرقةٍ مُعلنة
يواجه الفلسطينيون قرار حكومة الاحتلال بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، فيما يشهد وباء كوفيد - 19 ذروة متجددة له في الأراضي المحتلة، ما أدّى إلى إغلاق خمس محافظات كبيرة، وذلك بالتزامن مع تجدد تفشّي الوباء وإصابة المئات يومياً في إسرائيل. وهكذا فإضافة إلى الاحتلال الاستيطاني والعسكري، ليس لدى الدولة الإسرائيلية ما تضيفه سوى .. نشر الوباء.
وقد أدّى الموقف الأردني الناشط، مع مواقف الاتحاد الأوروبي، إلى كبحٍ مؤقت لجماح رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في الاستيلاء الرسمي على مزيد من الأراضي المحتلة، إذ يراهن الرجل على تسجيل اسمه "بطلا صهيونيا قوميا" في .. اللصوصية. إذ إن سلب أراضي الفلسطينيين، والمزيد منها وبلا توقف، يُحتسب، في المعايير الصهيونية، إنجازاً قوميا، والدولة العبرية الوحيدة في العالم التي تُمجد السرقة بوضع اليد نهاراً جهاراً وقولاً وفعلا. وفي هذه الأثناء، تثور نقاشات أميركية إسرائيلية، عن الخرائط، وعن توقيت الضم، فالأميركيون (باستثناء السفير في تل أبيب ديفيد فريدمان) يرغبون في أن تكون إسرائيل أكثر سخاءً بمنح بعض الأراضي المصنفة ج نظريا إلى السلطة، فتُحتسب من مناطق ب (إدارة فلسطينية مع سيطرة أمنية إسرائيلية)، فيما وضع طاقم نتنياهو خرائط تسلب الفلسطينيين أراضي بأكثر مما تضمنته صفقة ترامب نتنياهو، وأن يتم الضم في أجواء من التوافق الإسرائيلي "العربي" أولاً، وفي إطارٍ من تنفيذ الصفقة بصورة كاملة ثانيا.. وهو الموقف الذي يتبنّاه زعيم تكتل أزرق أبيض ووزير الأمن الحالي، بيني غانتس. ولهذا، فإن السيد نتنياهو يرغب "فقط" بضم مستوطنتين كبيرتين، إحداهما معاليه أدوميم قرب القدس في هذا الأوان. وذلك في نطاق إدامة السيطرة على القدس المحتلة بعد توسيع حدودها. وفي ذلك يتمظهر أنه قد "تنازل"، وربما رضخ للضغوط العربية والدولية! علماً أن ضم الاستيطان غير شرعي، وهو بحد ذاته سابقة خطيرة كونه مقاماً على أراض محتلة، وتدينه سائر قرارات الأمم المتحدة وبقية المحافل الدولية. وكانت أنباء تسربت عن "تطمينات" إسرائيلية للسلطة الفلسطينية، نقلها رئيس المخابرات الداخلية (الشاباك)، ناداف أرغمان، إلى الرئيس محمود عباسن أن الضم سيكون "رمزيا"، وهو ما رفضته السلطة برفض ضم "أي سنتمتر"، كما قال الناطق باسم الرئاسة الوزير نبيل أبو ردينة.
يبقى أمام الجانب الفلسطيني في هذه الفترة الحساسة ما يسعه أن يفعله في مخاطبة من يهمهم الأمر في أميركا
في هذه الأثناء، يراهن الفريق "الإنجيلي والليكودي" في الإدارة الأميركية، بأن الضم، أيا كانت نسبته وحجمه، سيكون قبل انتهاء ولاية ترامب قد أصبح أمراً واقعا، وأنه لا بأس، عقب ذلك، من دعوة الطرف الفلسطيني إلى مفاوضاتٍ يكون عنوانها وهدفها بلورة حل الدولتين الذي تضمنه الصفقة، مع إضافة كلمة الواقعي ليصبح حل الدولتين الواقعي، وفق موقع "عربي بوست". وذلك لتطويق الاعتراضات الدولية والعربية، بل لتلبيتها، أي الرد "الإيجابي" عليها، والتجاوب معها، بشقّ الطريق التفاوضي نحو هذا الحل. ومن الأفضل للجانب الفلسطيني أن يهتبل الفرصة قبل حلول نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وفي ظل الإدارة الحالية المتحمسة للحل الواقعي الذي يضمن السلام والازدهار. وهو حلٌّ يقوم على شرعنة الاستيطان والاستيلاء على القدس والسيطرة الأمنية المطلقة) على الأقل (على الحدود حتى الضفة الغربية لنهر الأردن).
وفي إطار التحركات وتلبية مطالب أوروبية، قدّمت السلطة الفلسطينية رؤيتها للحل القائم على حل الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح على أراضي العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مع الاستعداد لتبادل أراض متساوية في الحجم والقيمة الاستراتيجية، وقد نقلتها أطراف أوروبية إلى واشنطن، مشفوعة بقائمة طويلة من الملاحظات الاعتراضية على صفقة ترامب نتنياهو، وخصوصا في مجال انتهاك القانون الدولي. ومن الطبيعي، وفي ضوء المواقف المبدئية والفعلية للمجموعة الأوروبية (باستثناء النمسا وهنغاريا)، أن يتم التفاعل مع التوجهات الأوروبية الجيدة بتقديم مقترحات مضادّة، وليس الاكتفاء بموقف رفض الصفقة، حتى لو أدى ذلك إلى نقل أوروبيين الموقف الفلسطيني إلى البيت الأبيض. ولا يعتبر ذلك من باب الانسياق إلى حوار غير مباشر مع واشنطن على أرضية الصفقة، فالحوار أساسا وحصراً هو مع الأوروبيين، وينطلق من نقض الصفقة، ولن يكون مستغرباً أو مفاجئا أن يتم نقله الى البيت الأبيض، وذلك في إطار العلاقات الغربية الوثيقة والمتشعبة ... الغريب أو المفاجئ ألّا يتم نقله.
ليس من المصلحة أو المنطق أن ينأى الجانب الفلسطيني بـ"نفسه" عن القضايا المثارة في أجواء الانتخابات الأميركية، بوهم الحرص على عدم إشاعة انطباعٍ بالتدخل في مجرى الانتخابات
غير أنه يبقى أمام الجانب الفلسطيني في هذه الفترة الحساسة، ما يسعه أن يفعله في مخاطبة من يهمهم الأمر في أميركا وهم كُثر، وخلال الأشهر الأربعة المتبقية على إجراء الانتخابات الرئاسية، فقد اتخذ المرشح جو بايدن مواقف تنأى به عن الصفقة، وتقترب بشكلٍ وثيق من مفهوم حل الدولتين، كما هو متعارف عليه دوليا. وليس من المصلحة أو المنطق أن ينأى الجانب الفلسطيني بـ"نفسه" عن القضايا المثارة في اجواء الانتخابات، بوهم الحرص على عدم إشاعة انطباعٍ بالتدخل في مجرى الانتخابات. إذ من الواجب دعم كل صوت أميركي يناصر السلام العادل في الأراضي الفلسطينية المقدسة. سواء كانت أصوات المحتجّين في شوارع المدن الأميركية أو أصوات مرشحين للرئاسة، أو غيرها من الأصوات المناصرة للعدالة، وذات التأثير على الرأي العام. ومن واجب السلطة إحاطة الرأي العام الأميركي أن السفير ديفيد فريدمان الذي يدعي تمثيل الأميركيين في تل أبيب يمثل، في واقع الأمر، المستوطنين والمتطرّفين التوسعيين في المجتمع الإسرائيلي، وأنه يؤدي واقعيا ًوفعلياً دور سفير لهؤلاء في واشنطن .. بما يجعل لإسرائيل سفيرين في أميركا! أحدهما يقيم في واشنطن، والثاني يحمل الجنسية الأميركية ويقيم في تل أبيب، ويمارس شعوذات التطرّف الصهيوني مع جرعاتٍ عاليةٍ من العنصرية المسعورة إزاء الفلسطينيين بصورة شبه يومية، وقد اقترح أخيرا ترحيلهم إلى كندا ومنحهم جنسية كندية، وهو ما لا يتفوه به سوى عتاة المتطرّفين في المستوطنات، وأن الأميركيين يستحقون أن يمثلهم سفير أفضل من فريدمان، في منطقةٍ طال انتظار شعوبها سلاما يستحق هذا الوصف. علماً أن هذا الرجل من طباخي الصفقة الناشطين، وممن يستحثون نتنياهو على المسارعة بإجراء الضم. بينما يكتفي وزير الخارجية، مايك بومبيو، بالقول إن الضم قرار إسرائيلي! وبهذا فلا شأن للفلسطينيين أصحاب الأرض به، كما يتفوّه الوزير الذي يدّعي أن إدارة بلاده متفرغة لـ"عمل الخير" في العالم. ولا شك أن الصفقة المشينة هي مصداق على ذلك.