30 أكتوبر 2024
ترامب وأوباما والأزمة الخليجية
منذ قرّر خوض سباق الرئاسة ربيع عام 2015، يحرص الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ليس على تمييز نفسه فحسب، بل على تقديم نفسه نقيض كل شيء يمثله، أو كان يمثله، باراك أوباما. وعندما وصل إلى السلطة، ازداد شغفاً بهذا الدور، حتى أنك إذا أردت أن تفهم سياسات ترامب ومقارباته، وحتى شخصيته وطريقة تفكيره، على الرغم من حرصه على إعطاء الانطباع بأنه شخصٌ يصعب التنبؤ بتصرفاته، فإن أفضل وسيلة مساعدةٍ لبلوغ ذلك هو النظر فيما كان عليه أوباما والتفكير في نقيضه. من هنا، يمكن قراءة ترامب بأنه نفي لباراك أوباما (Anti-thesis) أو هذا على الأقل ما يوحي به.
لذلك، ومنذ اللحظة الأولى التي دخل فيها البيت الأبيض، تركّز همه على تفكيك تركة سلفه، وكأننا أمام نموذج حكم في دولة من العالم الثالث. انسحب من اتفاقية الشراكة عبر الهادي التي استغرق التفاوض عليها خمس سنواتٍ في عهد سلفه، وأتبعها انسحابه من اتفاقية باريس للتغير المناخي التي وافقت عليها 174 دولة، تبنّى سياسات هجرة عنصرية الطابع، ومنع مواطني سبع دول إسلامية من دخول أميركا، أجبر المكسيك وكندا على إعادة التفاوض على اتفاقية نافتا. ويتجه الآن إلى فرض ضرائب على واردات الحديد والصلب الأوروبية (الألمانية تحديدا) في تطبيقٍ لما كان تعهد به من سياساتٍ حمائية، يمكن أن تطلق حرباً تجارية حول العالم، وهذا أمر لم يحصل منذ انهيار "وول ستريت" وأزمة الركود العظيم عام 1929، عندما اضطرت إدارة الرئيس هيربرت هوفر (1929-1933) إلى فرض رسومٍ حمائيةٍ على واردات الحديد والصلب الألمانية، وكانت سبباً في صعود النازية، والوصول من ثم إلى الحرب العالمية الثانية.
فوق ذلك، أطلق الرئيس ترامب يد العسكر في تقرير الأمور الميدانية حول العالم، وغير قواعد الاشتباك في المواجهة مع تنظيم الدولة الإسلامية، ما أدى إلى زيادة ملحوظة في عدد القتلى المدنيين، خصوصا في سورية والعراق. وبعكس أوباما أيضاً، يبدي ترامب إعجاباً بروسيا بدل إيران، وبالقيصر بدل المرشد، وقد بدا هذا واضحاً في قمة هامبورغ التي جمعته، أخيرا، بالرئيس بوتين.
يمكن للمرء أن يستمر طويلاً في استعراض حجم التغيير الذي أدخله ترامب على السياسة الخارجية الأميركية، ولمّا ينهِ بعد شهره السادس في الحكم. إنما في موضوع واحد، يبدو وكأنه يسلك سلوك أوباما، ويتجه من ثم إلى ارتكاب أخطائه، إذا لم يتم استدراكه. ففي الأزمة الخليجية، وفي إطار رغبته زيادة الضغط على قطر، لأسباب يضيق المجال بذكرها، يترك ترامب الأزمة تأخذ مداها، لا بل يقوم، بحسب "نيويورك تايمز"، بعرقلة جهود وزير خارجيته، ريكس تيلرسون، لحلها، أو على الأقل احتوائها ومنعها من التدهور، من هنا وصفه الأزمة الخليجية بأنها "شأن عائلي"، على الخليجيين أن يحلوه بينهم.
أولى نتائج "تعفّف" ترامب عن التدخل في "شأن عائلي" هو تشجيع قوى إقليمية وعالمية للدخول على خط الأزمة، فمنطقة الخليج لا تحتاج إلى من يذكّر بأهميتها، والسياسة كالطبيعة لا تحب الفراغ، وإذا غابت قوة كبرى، بحجم الولايات المتحدة، عن مسرحٍ مهم، بأهمية المسرح الخليجي، يؤدي الغياب دور المغناطيس الذي يجذب إلى الفراغ كل ذي مصلحة. كما أن ترك قطر مكشوفةً سوف يدفعها إلى التصرّف بتلقائية المهدّد بأمنه ووجوده، طلباً للمعونة. حتى الآن، وفد إلى المنطقة من خارجها الأتراك، وأبدى اهتماما بها الألمان، وهو أمرٌ، على حد قول محلل أميركي معروف، سيئ، لكنه ليس سيئاً جداً، باعتبار أن تركيا وألمانيا حلفاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لكن الأمر قد يتطور، فالروس والإيرانيون والصينيون جميعاً يراقبون الأزمة، والموقف الأميركي منها، ويتحفّزون للتدخل عند أول نهزة. الهنود أيضاً مهتمون، وإذا دخلوا المعترك فستتبعهم باكستان، عندها تعم الفوضى، ويسود الخراب الناشئ عن التدافع بين ضوارٍ في ساحة غاب عنها كبيرها، هذا ما فعله أوباما في سورية، حتى لم تبق دولةٌ في الأرض إلا وغدا لها مقاتل يحمل علمها أو جنسيتها في خندقٍ من خنادق الأيلولة السورية. هل ينوي ترامب أن يصل بنا إلى هنا؟ وهل أنكر على أوباما كل سياساته، ولم يجد إلا هذه يسير على هديه فيها؟
لذلك، ومنذ اللحظة الأولى التي دخل فيها البيت الأبيض، تركّز همه على تفكيك تركة سلفه، وكأننا أمام نموذج حكم في دولة من العالم الثالث. انسحب من اتفاقية الشراكة عبر الهادي التي استغرق التفاوض عليها خمس سنواتٍ في عهد سلفه، وأتبعها انسحابه من اتفاقية باريس للتغير المناخي التي وافقت عليها 174 دولة، تبنّى سياسات هجرة عنصرية الطابع، ومنع مواطني سبع دول إسلامية من دخول أميركا، أجبر المكسيك وكندا على إعادة التفاوض على اتفاقية نافتا. ويتجه الآن إلى فرض ضرائب على واردات الحديد والصلب الأوروبية (الألمانية تحديدا) في تطبيقٍ لما كان تعهد به من سياساتٍ حمائية، يمكن أن تطلق حرباً تجارية حول العالم، وهذا أمر لم يحصل منذ انهيار "وول ستريت" وأزمة الركود العظيم عام 1929، عندما اضطرت إدارة الرئيس هيربرت هوفر (1929-1933) إلى فرض رسومٍ حمائيةٍ على واردات الحديد والصلب الألمانية، وكانت سبباً في صعود النازية، والوصول من ثم إلى الحرب العالمية الثانية.
فوق ذلك، أطلق الرئيس ترامب يد العسكر في تقرير الأمور الميدانية حول العالم، وغير قواعد الاشتباك في المواجهة مع تنظيم الدولة الإسلامية، ما أدى إلى زيادة ملحوظة في عدد القتلى المدنيين، خصوصا في سورية والعراق. وبعكس أوباما أيضاً، يبدي ترامب إعجاباً بروسيا بدل إيران، وبالقيصر بدل المرشد، وقد بدا هذا واضحاً في قمة هامبورغ التي جمعته، أخيرا، بالرئيس بوتين.
يمكن للمرء أن يستمر طويلاً في استعراض حجم التغيير الذي أدخله ترامب على السياسة الخارجية الأميركية، ولمّا ينهِ بعد شهره السادس في الحكم. إنما في موضوع واحد، يبدو وكأنه يسلك سلوك أوباما، ويتجه من ثم إلى ارتكاب أخطائه، إذا لم يتم استدراكه. ففي الأزمة الخليجية، وفي إطار رغبته زيادة الضغط على قطر، لأسباب يضيق المجال بذكرها، يترك ترامب الأزمة تأخذ مداها، لا بل يقوم، بحسب "نيويورك تايمز"، بعرقلة جهود وزير خارجيته، ريكس تيلرسون، لحلها، أو على الأقل احتوائها ومنعها من التدهور، من هنا وصفه الأزمة الخليجية بأنها "شأن عائلي"، على الخليجيين أن يحلوه بينهم.
أولى نتائج "تعفّف" ترامب عن التدخل في "شأن عائلي" هو تشجيع قوى إقليمية وعالمية للدخول على خط الأزمة، فمنطقة الخليج لا تحتاج إلى من يذكّر بأهميتها، والسياسة كالطبيعة لا تحب الفراغ، وإذا غابت قوة كبرى، بحجم الولايات المتحدة، عن مسرحٍ مهم، بأهمية المسرح الخليجي، يؤدي الغياب دور المغناطيس الذي يجذب إلى الفراغ كل ذي مصلحة. كما أن ترك قطر مكشوفةً سوف يدفعها إلى التصرّف بتلقائية المهدّد بأمنه ووجوده، طلباً للمعونة. حتى الآن، وفد إلى المنطقة من خارجها الأتراك، وأبدى اهتماما بها الألمان، وهو أمرٌ، على حد قول محلل أميركي معروف، سيئ، لكنه ليس سيئاً جداً، باعتبار أن تركيا وألمانيا حلفاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لكن الأمر قد يتطور، فالروس والإيرانيون والصينيون جميعاً يراقبون الأزمة، والموقف الأميركي منها، ويتحفّزون للتدخل عند أول نهزة. الهنود أيضاً مهتمون، وإذا دخلوا المعترك فستتبعهم باكستان، عندها تعم الفوضى، ويسود الخراب الناشئ عن التدافع بين ضوارٍ في ساحة غاب عنها كبيرها، هذا ما فعله أوباما في سورية، حتى لم تبق دولةٌ في الأرض إلا وغدا لها مقاتل يحمل علمها أو جنسيتها في خندقٍ من خنادق الأيلولة السورية. هل ينوي ترامب أن يصل بنا إلى هنا؟ وهل أنكر على أوباما كل سياساته، ولم يجد إلا هذه يسير على هديه فيها؟