تذكّر مزارع شبعا في اتفاق ترسيم الحدود البحرية

19 أكتوبر 2022

دخان بمزارع شبعا عند تقاطع بين لبنان وسورية وفلسطين بعد قصف إسرائيلي (28/1/2015/الأناضول)

+ الخط -

كثير هو ما يستحق الهجاء في اتفاق ترسيم الحدود البحرية، أو بشكل أدق اتفاق إعطاء الحقول النفطية المؤكدة لإسرائيل (كاريش أشهرها)، وجزء من ذلك المحتمل أن يكون فيه نفط وغاز (قانا) للبنان بشرط نيل موافقة من تل أبيب وشركة توتال على التنقيب والاستخراج والتعويض مالياً للدولة العبرية عن البيع في حال تأكد وجود ثروات نفطية. لكن بعد الاسترسال في هجاء سلوك السلطة السياسية اللبنانية، سلطة التيار العوني ومن خلفه حزب الله في التعاطي مع الموضوع، أمكن التوقف عند ملاحظة مركزية: البديل الوحيد للاتفاق المذكور، مع هاتين السلطتين الموجودتين في تل أبيب وبيروت، هو الحرب. بناءً على تلك المعادلة، أمكن فهم خريطة من ارتضى بالاتفاق وإن صوّب على عيوبه الكثيرة، ومن تفرّغ لمعركة إسقاطه. أما أنّ ما كان يعطيه الملحق رقم 2 من اتفاق 17 أيار/ مايو 1983 للبنان من كيلومترات بحرية تقع فيها الحقول النفطية المؤكدة أو المحتملة، كان أكبر بكثير مما حصّلته بيروت بموجب اتفاق يوم الخميس الماضي (13 أكتوبر/ تشرين الأول)، فإنما ذلك سيبقى من المحظور تناوله جدّياً بالنسبة لرأس السلطة اللبنانية، أي حزب الله. فهذا الحزب أُريد لولادته الإيرانية أن تكون لها مناسبات نضالية كثيرة، منها اتفاق 17 أيار وهي كانت مشروع اتفاق سلام بين لبنان وإسرائيل، أسقطه في حينها تحالف قوى كان محرّكها حافظ الأسد، وتصدّرتها حركة أمل عندما أخذت استراحة من قتل الفلسطينيين، والحزب التقدمي الاشتراكي، بينما لم يكن حزب الله يبلغ في حينها سوى العامين، وذلك في ما يعرف بانتفاضة 6 شباط/ فبراير 1984. بمنطق حزب الله، عندما كان لبنان في عز حربه الأهلية ومحتلاً من إسرائيل ومن جيش الأسد، كان تحصيل حقوقه يسمى خيانة عظمى وعمالة. أما في زمن الانتصارات الإلهية، فإن التنازل عن مئات الكيلومترات يصبح إنجازاً تاريخياً بتعابير رئيس الجمهورية ميشال عون.

في الهجاء أمكن إيراد بعض ما يتردّد في العواصم المعنية بالاتفاق. منه أن رئيس الجمهورية ميشال عون أراد أن يختتم عهده الكارثي (ينتهي في 31 أكتوبر الحالي) بإنجاز أبوي سمّاه "هدية للشعب اللبناني"، في مقابل أي ثمن. كما لا تنضب التسريبات حول أن ما يقف خلف التراجعات المتسلسلة التي أقدمت عليها السلطة اللبنانية في عملية تغيير الخطوط البحرية الحدودية القابلة للتفاوض (23 ثم 29 فـ27...) هو اتفاق ضمني مع راعي الاتفاق ووسيطه، الولايات المتحدة، يقوم على عدم التوسع في فرض عقوبات على الوريث السياسي لميشال عون، جبران باسيل، وعلى المحيطين به، وعلى آخرين من التيار العوني، ولمَ لا، بذل جهد في الكونغرس وفي دوائر القرار الأميركي بهدف إلغاء العقوبات على باسيل إياه على اعتبار أنه يستحيل أن يعلن الرجل ترشّحه الجدّي لوراثة والد زوجته في رئاسة الجمهورية، طالما أنه مشمول بعقوبات أميركية. كلام يتوفر الدليل عليه في موافقة حزب الله على الاتفاق، ذلك أن من يفترض أن أمراً مصيرياً ما يحصل في لبنان من دون إيعاز حزب الحرب الدائمة، ليس عليه إلا الخضوع لدورة محو أمية في السياستين اللبنانية والإقليمية.

يبقى أن خطاب ميشال عون الاحتفالي بإنجاز الاتفاق الذي يبقى، على علاته، أفضل من الحرب بمليون مرة، حمّالاً لفضيحة دسمة. يذكّرنا الرجل بأن "الخطوة التالية يجب أن تكون التوجه إلى عقد محادثات مع سورية لحل المنطقة المتنازع عليها معها وهي تزيد عن 900 كيلومتر مربع" في مقابل 860 كيلومتراً مربعاً كانت موضع نزاع مع إسرائيل.

بقليل من المغامرة والكثير من الواقعية، يمكن القول إن الاتفاق مع إسرائيل على موضوع حسّاس بوزن ترسيم حدود وتقاسم حقول نفطية، أسهل من الاتفاق مع سورية ــ الأسد التي لا تزال ترفض ترسيم الحدود البرّية مع جارها الصغير لتثبيت لبنانية مزارع شبعا أو سوريّتها.