تخاصَموا في لبنان على شكل الرئيس

20 نوفمبر 2022
+ الخط -

لم تمرّ إطلالة الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أخيراً، مرور الكرام، فأحدثت مواقفه ردود فعل، وخصوصاً في ما يتعلق بالملف الرئاسي وبثورة 17 تشرين. واتجهت الانطباعات التي غلبت على المشهد السياسي نحو مزيد من السلبية حيال أزمة الشغور الرئاسي، في ظلّ المراوحة والجمود اللذين يسيطران على مناخات هذه الأزمة.

وضع نصر الله، في كلمته المتلفزة بمناسبة "يوم الشهيد"، مواصفات الرئيس المفترض أن يصل إلى قصر بعبدا، وهي "أن يكون مطمئناً للمقاومة، لا يخاف من الأميركيين ويقدم المصلحة الوطنية على خوفه، ولا يباع ولا يشترى"، مشدّداً على "أننا لا نريد رئيساً يغطّي المقاومة أو يحميها، لأنها لا تحتاج إلى ذلك، إنما رئيساً لا يطعنها في الظهر".

دخل لبنان مرحلة الشغور الرئاسي بعد انقضاء ولاية ميشال عون الرئاسية، وبعدما دعا رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، إلى عقد عدّة جلسات لانتخاب الرئيس من دون الوصول إلى نتيجة. لم تدخل البلاد الفراغ الرئاسي إلا بعدما دخلت في الفراغ الحكومي أولاً، حيث اتهم الرئيس المكلف نجيب ميقاتي فريق العهد، وفي مقدمته رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، بمحاولة التعدّي على صلاحيات رئيس الحكومة، عبر وضع تشكيلة حكومية يكون له فيها من الوزراء حصّة الأسد.

يتوقع المتابعون أن يكون الشغور الرئاسي سيد المرحلة المقبلة

فراغان، حكومي ورئاسي، يشهدهما البلد على وقع انهيار اقتصادي، و"خنقة" مالية لم يشهدها لبنان منذ تأسيسه. وقع لبنان بين الكيديات الداخلية التي يمارسها بعض الأفرقاء تجاه بعضهم الآخر، وبين التدخلات الخارجية لتسمية رئيس تهيمن عليه مواصفات على "خاطر" الدولة المتدخلة. لهذا يتوقع المتابعون أن يكون الشغور الرئاسي سيد المرحلة المقبلة، وأنّ ما طرحه حسن نصر الله أطال في عمر الفراغ إلى أجلٍ قد يكون طويلاً، ريثما تتّضح الصورة وتتجلّى الرؤيتان الإقليمية والدولية.

لم يمرّ أسبوع على المؤتمر الذي دعا إليه سفير السعودية، وليد البخاري، وأكّد فيه الحاضرون ضرورة احترام وثيقة الوفاق الوطني عبر المحافظة على اتفاق الطائف. لهذا اعتبرت مصادر متابعة للموضوع الرئاسي أن رسالة حسن نصر الله كانت عالية النبرة في وجه السفارتين السعودية والأميركية في لبنان، عندما حسم موقفه من رئيس يحمي المقاومة، باللبناني "رئيس ممانعجي".

على نقيض شكل رئيس حزب الله، يترشّح النائب ميشال معوض لرئاسة الجمهورية، حاملاً شعار "السلاح غير الشرعي" لحزب الله، متهماً إياه بأنه يريد "أيرنة" لبنان، من خلال رميه في أحضان مشاريع إيران في المنطقة. الأصوات التي تراوح بين 40 و46 التي يحصل عليها معوّض في كلّ جلسة انتخابية، باستثناء كتلة الحزب الاشتراكي، ترى في حزب الله منظمة إرهابية يجب إعادتها إلى الحضن الوطني.

بين هذا الشكل وذاك، يتجه لبنان إلى مزيد من إطالة أمد الشغور الرئاسي ومزيد من ممارسة لعبة "شدّ الحبال" بين اللاعبين الدوليين، للخروج من المأزق الذي يقع فيه. لهذا، جاء اتصال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بحسب مصادر الإليزيه، في الملف اللبناني، لانتخاب رئيسٍ ينفذ برنامج الإصلاحات الهيكلية الضرورية لنهوض هذا البلد، كذلك اتُّفق على مواصلة تعاونهما وتعزيزه لتلبية الاحتياجات الإنسانية لشعب لبنان.

قد تكون نيّة الفرنسي العمل على تأمين احتياجات اللبناني في مكانها، إلا أنّ السعودي لا يرى هذا من أهدافه، ولا سيما أنه يدرك أنّ أيّ مساعدة للبنان ستصبّ لمصلحة حزب الله وبيئته الحاضنة. لهذا، تمارس المملكة مع مجموعة دول الخليج العربي نوعاً من العزلة على لبنان، لحثّ الأفرقاء فيه على تطويق دور الحزب إقليمياً، وتحديداً في اليمن إلى جانب الحوثيين.

يتجه لبنان إلى مزيد من إطالة أمد الشغور الرئاسي ومزيد من "شدّ الحبال"

لم تنضج بعد الصفقة الرئاسية التي يخرج منها اسم الرئيس الذي على الكتل النيابية انتخابه، رغم أنّ مصادر مقرّبة من رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، أكّدت أنّه متمسّك بوجوب تحقيق التوافق على رئيس الجمهورية في أقرب فرصة أو وقت ممكن لإنجاز هذا الاستحقاق.

اتفق الأفرقاء في الداخل على ضرورة أن يكون شكل الرئيس "مقاوماً"، لكنهم اختلفوا بشأن مفهوم المقاومة. إذ أخذ الانقسام بين اللبنانيين شكله العمودي، حيث الاصطفافات توزّعت بين شكل الرئيس المقاوم الذي طرحه نصر الله، والذي يحمل فكر المقاومة ونهجها، غير الخاضع للإملاءات من السفارات الغربية والعربية، والرئيس المقاوم لنهج حزب الله في لبنان وسياسته، رافضين إدخاله في محور الممانعة بقيادة إيرانية، لتحقيق برنامجها النووي مع الدول الغربية.

لا تلوح في الأفق مساعٍ جديّة لإنتاج رئيس للبنان، لأنّ التعقيدات الداخلية، كما الخارجية، مستعصية على الحل. فما طرحه ماكرون من رئيسٍ ينفذ الإصلاحات، لن يلقى صداه في المجلس النيابي، إذ تعني الإصلاحات المحاسبة، ما يعني فتح أبواب السجون أمام المسؤولين في لبنان، واستعادة الأموال التي نهبت، وهذا ما لن يحصل، لأنّ جميع من في الحكم ساهموا في نهب الدولة، ولو بنسبٍ متفاوتة.

أخيراً، أدخل طرح نصر الله شكل الرئيس العتيد لبنان في مسار جديد، أعاد بعضهم بالذاكرة إلى عام 2014 عندما حدّد الشكل بشخصية ميشال عون، وأدخل البلد في فراغ رئاسي دام أكثر من عامين، بعدها تمكّن الأفرقاء من التوّصل إلى تسوية رئاسية. فهل اللبناني اليوم أمام تسويةٍ جديدةٍ في ظلّ التصارع الدولي الحاصل؟