تبدّد حلم إسرائيلي

23 مايو 2023
+ الخط -

دأبت الدبلوماسية الإسرائيلية، طوال سنوات تولي بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة منذ 2009، وضمن إطار محاربة المشروع النووي الإيراني، على تطوير استراتيجية إقليمية، هدفها إنشاء حلف عربي مضادّ لإيران. وقد استغلت إسرائيل لهذه الغاية تضافر ظروف داخلية عربية وإقليمية، في طليعتها الاضطرابات التي شهدتها دول المنطقة جرّاء ثورات الربيع العربي، والحرب الأهلية السورية، واندلاع الحرب في اليمن، وتورّط دول الخليج، لا سيما السعودية، في نزاع دموي مع الحوثيين المدعومين من إيران. كما استغلت تصاعد قلق دول الخليج جرّاء انكفاء الدور الأميركي في الشرق الأوسط، وشعور هذه الدول بأنها غير قادرة بعد اليوم على الاعتماد على الدعم الأميركي، للمحافظة على استقرارها وأمنها في مواجهة التهديدات الإيرانية والصعود الكبير في نفوذ إيران في سورية ولبنان والعراق واليمن، من أجل الدفع باستراتيجية إنشاء حلف إقليمي في مواجهة المحور الذي تقوده إيران في المنطقة. ويكمن اعتبار اتفاقات أبراهام التي جرى التوصل إليها بين إسرائيل والإمارات والبحرين في 2020، واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع المغرب لاحقاً، من إنجازات هذه الاستراتيجية الإسرائيلية التي كانت، أولاً وأخيراً، ترى في التقارب مع السعودية هدفاً أساسياً لها.
اليوم ومع انعقاد القمة العربية في جدّة، وعودة سورية إلى الحضن العربي، وتطبيع العلاقات بين سورية والمملكة، والتي سبقها استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران بوساطة صينية، والحديث عن إمكانية عودة العلاقات بين إيران ومصر أيضاً، فإنّ كلّ الآمال الإسرائيلية التي بنتها إسرائيل بشأن قيام حلف إقليمي ضد إيران تراها تتبدّد أمام عينيها. 

الانقسام الداخلي الإسرائيلي بشأن الإصلاحات القضائية جعل إسرائيل تبدو دولة مشرذمة ومنقسمة

تنظر إسرائيل إلى التطورات على الساحة الإقليمية بكثير من الحذر والشكّ، وتتخوّف بصورة خاصة من تداعيات هذه التطورات على مساعيها في التقرّب من دول الخليج، خصوصاً السعودية. وفي رأيها، لا بدّ أن تنعكس عودة العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية سلباً على هذه المساعي؛ كما أن عودة سورية إلى الحضن العربي، وما سينتج عن ذلك من انخراط دول الخليج في عملية إعادة إعمار سورية المدمّرة بعد سنوات الحرب الأهلية، لا بد أن تكون له تداعياته أيضاً على المعركة بين الحروب التي تخوضها إسرائيل منذ سنوات في سورية ضد التمركز العسكري الإيراني، ويمكن أن يفرض قيوداً على الهجمات الإسرائيلية الجوية التي  قد تُواجه برفض وإدانة عربيين، وأن يؤدي لاحقاً إلى موقف دولي ضد هذه الهجمات التي تعوق عملية إعمار البلد وعودة النازحين السوريين إلى وطنهم.
الأجواء الإقليمية المتغيرة والتبدّل في التحالفات جعلا إسرائيل تشعر بأنها لم تعد دولة جذّابة في نظر دول المنطقة التي كانت تعتبرها بوابة عبور إلى الولايات المتحدة، وسبيلاً لنيل الحظوة في البيت الأبيض، وذلك في ضوء الوضع الحالي للعلاقات الأميركية الإسرائيلية الذي أقلّ ما يمكن وصفه بالبرودة، إذ ينتظر نتنياهو منذ توليه رئاسة الحكومة، قبل أكثر من خمسة أشهر، دعوته إلى زيارة رسمية لواشنطن من دون جدوى. وأيضاً نتيجة الانقسام الداخلي الإسرائيلي بشأن الإصلاحات القضائية والذي جعل إسرائيل تبدو دولة مشرذمة ومنقسمة، وتعاني من أزمة داخلية عميقة.

يمكن لإسرائيل أن تقول وداعاً لحلمها في التحالف مع الدول السنّية المعتدلة

إزاء كل هذه التغيرات السريعة، بدأت مراجعة نقدية للاستراتيجية الإسرائيلية حيال دول المنطقة، والحرب التي تخوضها ضد البرنامج النووي الإيراني، مع الإدراك الإسرائيلي العميق بأنّ المنطقة دخلت في مرحلة جديدة، انهارت فيها المقولات التقليدية الثابتة، ولا سيما مع ظهور جيل جديد من الحكام العرب الذي يضع المصالح الداخلية لبلده فوق أي اعتبارات سياسية تقليدية متوارثة، ويسعى، قبل كلّ شيء، إلى توطيد حكمه واستقراره الداخلي، بحيث لم يعد بعد التطوّرات أخيراً في وسع إسرائيل تصنيف الدول العربية ضمن نظرية ثنائية الأبعاد: مع الولايات المتحدة  أو ضدها أو مع معسكر المقاومة أو ضدّه، مع ظهور تحالفات جديدة تجمع بين الأضداد، وتخلق صورة جيوستراتيجية جديدة تتطلب معالجاتٍ من نوع مختلف.  
في دراسة نشرها معهد دراسات الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، جرى استعراض الجوانب الإيجابية لمرحلة الانفراج الإقليمي الحالي، مثل إنهاء النزاعات المسلحة، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وتحسّن الوضع السعودي في المنطقة، وهذه الأمور تصب في مصلحة إسرائيل. ومن جهة ثانية، تراجع الدور الأميركي في المنطقة، وتعزيز تعاون الدول العربية مع إيران التي باتت على عتبة دولة نووية لا يصبّان بتاتاً في المصلحة الإسرائيلية، لأنهما قد يهدّدان فعلياً اتفاقيات أبراهام التي تعارضها إيران علناً، كما أن التطوّرات أخيراً يمكن أن تدفع السعودية إلى المطالبة هي أيضاً بحقّها في التحوّل إلى دولة نووية. وبرزت توقعات إسرائيلية بأن يكون هذا هو الشرط الذي ستطالب به السعودية من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى حصولها على سلاح متقدّم جديد من أجل تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
في المشهدية الحالية للإقليم، يمكن لإسرائيل أن تقول وداعاً لحلمها في التحالف مع الدول السنّية المعتدلة، وعليها البحث عن سبيل لموضعة نفسها ضمن خريطة التحالفات الجديدة في المنطقة.

رندة حيدر
رندة حيدر
رندة حيدر
كاتبة وصحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية
رندة حيدر