بين الوصية والوصاية

19 ابريل 2023
+ الخط -

ليس من خلال الدراما ولا الروايات المكتوبة، ولكن من واقع الحياة الظالمة للمرأة، وقعت على حكاية أم أرملةٍ لديها ابنتان، وقد توفي زوجها وهو في ريعان شبابه، تاركا ابنته الصغرى رضيعة، وفيما كان الجدّ في ريعان قوته، ولم يتّعظ من وفاة ابنه الشاب فجأة، فقد سلك طريق الظلم بأن حصل على حقّ الوصاية على الحفيدتين، وأجبر الأم الشابة على التنازل عن كل أملاك زوجها مقابل أن يترك لها حضانة الطفلتين مدى الحياة، فحسب القانون والشرع، تنتهي حضانة الأم للبنت عند سنٍّ لا يتجاوز الحادية عشرة من عمرها على أكثر تقدير. وهكذا ساوم الجدّ تلك الأم، لكي تحتفظ بحق الرعاية لابنتيها فيما يمتلك الجد حقّ إدارة الأموال التي استولى عليها من دون وجه حقّ.

لم تقف حكاية هذه الأم عند هذا الحد من الظلم، فقد قرّرت أن تبحث عن مشروع صغير تُنفق منه على ابنتيها، وذلك لأن ما تتقاضاه من معاشٍ ضئيلٍ لا يكاد يكفي ثمن الخبز حسب تعبيرها، وهكذا افتتحت مطعما صغيرا لإعداد الوجبات الشعبية. ورغم تعثر المشروع، إلا أنها استطاعت أن تدفع عجلة الحياة بطفلتيها، حتى أصبحتا شابتين. وهنا ازداد طمع الجد، والذي أصبح يطالبها بدفع إيجار الشقّة التي تقيم فيها، وقد آلت لملكيته، بناء على تنازل الأم السابق، بل وبدأ يُطالبها بنصيبه من المعاش الضئيل، رغم أنه يعمل في وظيفة مرموقة.

ناقش مسلسل يعرض حالياً، وصنّف ضمن أفضل أعمال موسم رمضان، بعنوان "تحت الوصاية" قضية مماثلة لقضية الأم التي التقيت بحكايتها على أرض الواقع، وحيث تحرم الأم التي يتوفى زوجها في حياة أبيه من الحقّ في التصرف بمال الأيتام، ويمنح هذا الحق للجد أو العم بصفتهما رجالاً، والأقدر على إدارة المال، وكأن الأم الأرملة التي تصارع الحياة وحيدة مع الأيتام الصغار الذين يشبهون القطيطات مغمضة العينين، والتي تواجه المجتمع الذكوري الفاسد، غير قادرة على إدارة المال الذي يخصّ أطفالها وعليها أن تتوسّل إلى الولي الوصي على أولادها في حال احتاج أحد أطفالها مبلغاً لإجراء جراحةٍ مكلفةٍ على سبيل المثال.

ظهرت بعد عرض هذا المسلسل نداءاتٌ كثيرة بضرورة تغيير قانون الوصاية على الأيتام. والحقيقة أن الأيتام الذين يموت أبوهم في حياة والديه أو أحدهما يتعرّضون لظلم بيّن، وإن كان الشرع قد وضع قانون الوصاية عليهم، حتى يصبحوا قادرين على التصرّف بأموالهم، وغالبا ما يكون ذلك حين يبلغ أحدُهم سن الحادية والعشرين، فمن ناحية أخرى، لم يأت القرآن الكريم كمصدر أول للتشريع للمسلمين بآيات واضحة تماما لحقّ الأيتام في ميراث الجد أو الجدّة، بعد وفاة أحدهما، فأصبح المتعارف عليه أن الطفل الذي يتوفّى أبوه قبل أمه لا يحقّ له أن يرث جدّته. ولذلك، هناك قانون جرى اعتماده في معظم البلاد العربية، ويعرف بالقانون العثماني، وهو الوصية الواجبة. وقد وضع هذا القانون باجتهاد العلماء، وذلك لفساد الذمم، ولأن الأيتام، حسب تعبير من أقرّوا هذا القانون، والذي يقضي بحق الأيتام بالميراث من الجدّين، قد اجتمع عليهم حجب الميراث ومرارة اليتم. ولذلك أقرّ القانون المدني لهم ما يعادل ثلث ثروة الجدّين على ألا يزيد عن ذلك. وقد وردت تفسيرات كثيرة بضرورة ضمان حقّ هؤلاء الأيتام، وإن تعمّد الجدّان ظلمهم، فالقانون قد قرّر أن يمنحهم هذا الحقّ.

بالعودة إلى أحداث المسلسل الذي يتناول مأساة الأيتام، وسيواجهون قضيةً أخرى من الجدّ المتسلط، وهي حجبهم عن ميراثه حين يموت، فهذا المسلسل ينضم لقائمة الأفلام المميّزة التي أدّت إلى تغيير بعض القوانين التي تخصّ الأسرة والمجتمع، مثل فيلمي "جعلوني مجرما" و"أريد حلا". ولذلك، من الضروري أن تعلو الأصوات لتحريك المياه الراكدة والمطالبة بالوصاية الكاملة للأم على اليتامى وحقّهم في ميراث أبيهم بعد وفاة الجدّين.

 

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.