بوتين يقترع لماكرون ..

06 مارس 2022

الرئيسان الروسي بوتين والفرنسي وماكرون في موسكو (8/2/2022/Getty)

+ الخط -

أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يوم الجمعة في الثالث من مارس/ آذار، عبر رسالة نشرتها الصحافة الإقليمية في فرنسا، عن ترشّحه لولاية ثانية لرئاسة الجمهورية، والتي سيجرى تنظيم انتخاباتها بعد شهر ونيف من الأيام. وكان الموعد النهائي المحدّد لإعلان الراغبين في الترشّح للانتخابات هو يوم أمس، الرابع من مارس/ آذار. وبالتالي، فإن الرئيس الحالي انتظر حتى آخر لحظة في المهلة الرسمية المحددة قبل انتهاء إمكانية الترشّح لهذا المنصب، علماً أنه لم يكن من شك بنيّته الترشح للولاية الثانية. وبعيداً عن أية تعابير احتفالية، جرت العادة أن تحتويها إعلانات المرشّحين التقليدية، اتسمت رسالة ماكرون بالبرود والجدّية، توافقاً مع الوضع السياسي الدولي المتوتر إلى اقصى الحدود في إطار الغزو الروسي للجمهورية الأوكرانية، والانعكاسات الكارثية لهذا الغزو على الأمن والسلام الدوليين، وعلى استقرار القارّة الأوروبية.

في النص الذي كتبه، شدّد الرئيس الفرنسي على الصعاب التي واجهها خلال ولايته الأولى. وقد حدّدها بالإرهاب وبالجائحة وبالعنف الاجتماعي. وأخيراً وليس آخراً، باندلاع الحرب في أوروبا. وقد لفت إلى أنّ "من النادر أن كانت فرنسا قد سبق وتعرّضت لهذا الكم المتراكم من الأزمات". وفي الرسالة، استعرض مجمل مشاريعه الإصلاحية التي زعم إنه تبنّاها منذ البداية في فترته الرئاسية الأولى، مشيراً إلى ضرورة استمرارها وتطويرها، وذلك من خلال توليه موقع رئاسة الجمهورية لولاية ثانية.

منح ماكرون السياسة الفرنسية موقعاً ريادياً في المساعي الدولية لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، والضغط على فلاديمير بوتين لاحترام القوانين الدولية

وبعدما أجمع معارضوه خلال الأشهر الماضية على انتقاد تأخّره في الترشّح، معتبرين أنه في ذلك يستفيد من موقعه الرئاسي لدعم طموحه الانتخابي، صار اليوم من الصعب عليهم أن يستمرّوا في استخدام هذا الملف لمهاجمته بعد نشر رغبته. كما يبدو واضحاً أنه سعى، من خلال هذه الرسالة، إلى التطرّق لتفاصيل تخصُّ برنامجه الانتخابي متنوّع المشارب. وفي هذا، هو يختلف عن برامج كلّ منافسيه الآخرين الذين حصر كلّ منهم برامجه في نقاط ترتبط باهتمامات أحزابهم التقليدية، فاليمين المتطرّف، بأشكاله المتعدّدة، يتوقف عند المسألة الأمنية، والسعي إلى الحد من الهجرة أو حتى القضاء عليها. ومن جهته، يتناول اليمين التقليدي المخاوف الأمنية نفسها، مضيفاً إليها بعض الأفكار الاقتصادية القاصرة عن مجاراة الليبرالية الشديدة التي تُميّز مشروع ماكرون الانتخابي. وفي حمأة صراعاتهم المتراكمة، يُجمع مرشّحو اليسار، المتعدّدون وغير المتوائمين، على مسائل مرتبطة بالعدالة الاجتماعية، وهي من الأمور الأساسية التي تميّزهم نظرياً منذ عقود، على الرغم من ابتعادهم الغالب عن تطبيقها عندما وصل بعض ممثليهم إلى الحكم في السابق.

وعلى الرغم من عدم الرضا العام لدى الناخب الفرنسي عن الأداء الحكومي خلال السنوات الخمس الماضية، تبدو حظوظ الرئيس ماكرون قويةً في البقاء في قصر الإليزيه. فبالإضافة إلى عجز المرشّحين المنافسين بنسب متفاوتة عن طرح برامج سياسية واقتصادية وأمنية منافسة ومقنعة، فقد نجحت إدارة ماكرون في الخروج من عنق زجاجة الجائحة الصحية، على الرغم من تخبّطها في البداية، والذي لا يمكن أن يُسجّل ضدها تماماً لفداحة المفاجأة وغموض ثناياها في تلك الفترة في مختلف البلاد. ومع أن الإرهاق وصل إلى أشدّه لدى الجهاز الطبي العام، الذي تعرّض في السنوات ما قبل الأزمة الصحية إلى تغيرات هيكلية كانت سلبيةً في المجمل، إلّا أنّ إدارة الأزمة نجحت نسبياً في إيصال الفرنسيين إلى شاطئ آمن نسبياً، وخصوصاً عندما توّجت بنجاح حملة التلقيح.

بوتين، باعتدائه على أوكرانيا، قد اقترع لصالح إعادة انتخاب ماكرون

وفي السياسة الخارجية، تعثّرت الإدارة الفرنسية في أكثر من ملف، كان أبرزها الفشل في إيجاد حلّ للأزمة اللبنانية المستعصية، رغم جرعة الثقة المبالغ بها، التي عبّر عنها الرئيس ماكرون خلال زياراته المتكرّرة بيروت. ومن جهة أخرى، فإنّ خروج فرنسا من جمهورية مالي، الذي أُعلن عنه منذ أسابيع، سبب شرخاً في الدور التقليدي للسياسة الفرنسية في أفريقيا.

مع الحرب التي أعلنتها موسكو على جمهورية أوكرانيا المجاورة لها منذ أسبوع ونيف، وما حملته هذه الحرب من فظائع سياسية وإنسانية، استطاع الرئيس ماكرون، ومنذ البداية، أن يلعب دوراً دبلوماسياً هاماً، الذي، وإن لم يُفضِ إلى نتيجة تُذكر، لكنّه منح السياسة الفرنسية موقعاً ريادياً في المساعي الدولية لوقف إطلاق النار، والضغط على فلاديمير بوتين لاحترام القوانين الدولية. كما أظهرت استطلاعات الرأي أن الرئيس ماكرون يحظى بثقة غالبية الفرنسيين لطريقة إدارته الأزمة. ومع أنّ القاعدة تقول إنّ الانتخابات، على أنواعها في مختلف البلاد، تتأثر بشكل محدود جداً بالسياسة الخارجية، إلّا أنّ ما يحصل في أوروبا من حرب، ومن قتل ودمار، يتجاوز العلاقات الدبلوماسية التي لا تدخل في حسابات الناخبين. هناك شعورٌ عارمٌ بالخطر الذي يقترب من أبواب القارّة القديمة، وهو يُعزّز من الالتفاف حول "رموز" الوطن.

سيتعذّر على الرئيس ماكرون خوض حملة انتخابية عادية، لناحية الانتقال بين المدن وإعطاء الأحاديث الصحافية، والخروج في مناظرات مع أهم منافسيه، ولديه تبرير مشروع لذلك، بسبب الحرب القائمة، ودوره المحوري سياسياً في السعي إلى إيقافها، حتى ليمكن القول إنّ فلاديمير بوتين، باعتدائه على أوكرانيا، قد اقترع لصالح إعادة انتخاب ماكرون.