بوتين يؤجل خطابه السنوي

18 ديسمبر 2022
+ الخط -

يراهن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على شتاء قاسٍ، يقرص مواطن الاتحاد الأوروبي بقوة، ليضغط بدوره على حكومته من أجل تخفيف دعمها أوكرانيا، فقد قاومت الأخيرة هجوم الروس، وتفوّقت على القوات الروسية في المراحل التالية للغزو، بفضل دعمٍ غير محدود قُدِّم لها، فما بقي أمام بوتين إلا العوامل الجوية لتقف معه. يعرف الغرب خطّة بوتين بالطبع، فقد حصَّنت ألمانيا نفسها بتوقيع عقود طويلة الأمد لاستقدام الغاز من الخليج، بما يجعلها أقل اعتماداً على طاقة روسيا. وتحت عنوان دعم أوكرانيا، عقدت فرنسا مؤتمراً في الأسبوع الماضي حضرته أكثر من 70 دولة، تعهدت بدفع ما يفوق مليار دولار على شكل هبات لأوكرانيا، لإدامة بنيتها التحتية وإصلاح ما يمكن إصلاحه. وإلى جانب الدعم المادي، تلقت أوكرانيا دعماً سياسياً هائلاً بتجميع هذه الدول إلى جانبها في واحدة من عواصم الاتحاد الأوروبي الرئيسية. وأيضاً تدرس وزارة الدفاع الأميركية إمكانية تقديم منظومات صواريخ باتريوت المضادة للطائرات والصواريخ البالستية، وهو العتاد الذي اعتمدت عليه روسيا بعد تراجع قواتها في الشرق والجنوب، ومن شأن وصول هذه الصواريخ أن يوقف السيطرة الجوية الروسية، بعد إضافتها إلى أنظمة دفاع جوي أخرى تمتلكها أوكرانيا، وتستخدمها بنجاح، فقد أسقطت بواسطتها كل المسيّرات الإيرانية التي أطلِقت عليها يوم الأربعاء الماضي.

بعد مرور 300 يوم على قصف روسيا أوكرانيا والتقدّم السريع الذي حققته القوات الغازية شرقاً وجنوباً وشمالاً في الأيام الأولى من الحرب، حين وصلت إلى حدود العاصمة كييف، تباطأ الزخم القتالي الروسي، وتوقف، قبل أن ينقلب السيناريو لصالح أوكرانيا بشكل كامل، وبدأت روسيا تسجّل انسحابات سريعة بالجملة من الأراضي التي احتلتها في البداية حتى وصلت إلى المناطق التي أعلنت أنها أراضٍ روسية. استهلكت روسيا في حربها كثيراً من مخزونها العسكري الذي استُنزف بشكل مريع، وبدأت تعاني نقصاً جدّياً في المعدّات العسكرية، ما جعلها تعتمد على مصادر خارجية، منها إيران، لتعويض النقص الكبير، كما لمَّحت لإمكانية اللجوء إلى السلاح غير التقليدي في الحرب، وعندما تمّت مواجهتها بالقوة الكافية خفّت لهجتها، حتى تخلت تماماً عن لكنتها النووية، وظهر النقص أكثر في الكوادر البشرية المدرّبة، وقد وصلت بعض التقديرات إلى القول إن روسيا خسرت في هذه الحرب ما يقارب مائة ألف جندي، ما يبرّر دعوة بوتين إلى تعبئة جزئية لم تعد تلقى اهتماماً يُذكر، لكنها رسّخت مفهوم الإدارة السيئة للحرب، فأكلت من رصيده، وساهمت في تفكيك جبهته الداخلية، وتخلّت دول إقليمية، كالسويد والنرويج، عن حيادها، فطلبت، بشكل صريح، الانضمام إلى حلف الناتو.

كل هذه العوامل ستجعل الطموح الروسي بنصر الشتاء المقبل يتبدّد، وتُجبره على الانتظار طويلاً، وقد بدر منه ما ينمّ عن قبول التمهّل لما بعد الشتاء، فقد أجّل خطابه السنوي الذي يعد من تقاليد الرئيس الروسي السنوية منذ عام 1994، وكان قد أعلن، في الخطاب نفسه، قبل ثماني سنوات، ضم جزيرة القرم، ولربما كان يأمل بخبر سارّ في هذا العام ليزفّه في خطابه، ولكنه أرجأ الخبر إلى أجل غير مسمّى.

من الواضح أن بوتين لن يوقف حربه عند هذه النقطة، ولن يشكّل الشتاء له الجندي الذي سيحوّل هزيمته إلى ربح، بعد أن استعدّت أوروبا لمواجهته جيداً، ويأمل بوتين مرة جديدة بربيع العام المقبل، فهو ما زال قادراً على التمويل بفضل النفط الذي لم تنخفض أسعاره كثيراً، رغم كل الدعوات المطالبة بذلك، وبفضل ما تبقى من الغاز الذي ما زال يذهب إلى أوروبا، يمكن لبوتين أن يستجمع ما تبقى من قوته، وما يستطيع من جمعه خلال الشتاء، ليدفع به للمرة الأخيرة في الربيع المقبل. وعندها، سوف نعرف أي نوع من الخطابات سيلقي.