بن غفير ليس وحيداً
عندما يدعو وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، إلى إعدام الأسرى الفلسطينيين ولا يجد ردّاً، فهذا يعني أنّه ليس وحده من يفكّر هكذا. يُصرّح هذا العنصري اليميني المتطرّف بضرورة إعدام أسرى بسبب الاكتظاظ في السجون، ولا يجد من يستنكر كلامه أو يعاقبه على ذلك. حين لا يطرده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من مجلس الوزراء، فهذا يعني أنّه يشاركه النظرة ذاتها مع فارق بسيط، أنّ بن غفير أكثر وقاحة فقط. وعندما يصمت بقية أعضاء مجلس الوزراء، وأعضاء مجلس الحرب، والمعارضة الإسرائيلية، كما سبق لهم أن فعلوا حيال دعوة وزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو، الذي اقترح ضرب غزّة بقنبلة ذرّية، فهذا يؤكد أنّهم جميعاً على الموجة العنصرية المنفلتة ذاتها، التي تُعبّر بوضوحٍ عما بلغته المؤسّسة الإسرائيلية من تطرّف. ليس كلام بن غفير من فراغ أو دعوة من دون سند، وتؤكّد هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية أنّ تطبيق دعوته ساري المفعول في السجون الإسرائيلية، حيث قُتِلَت مجموعة من الأسرى منذ بداية الحرب على غزّة، كما تمارس إسرائيل الاحتجاز القسري لمعتقلين من القطاع، بينهم نساء وأطفال، في أكثر من سجن، لا يقل فظاعة عن "غوانتانامو"، ولا أحد يستنكر هذه الجريمة.
يُراقب العالم بصمت جرائم إسرائيل في غزّة، وفي مقدّمتها التجويع الذي يستخدم سلاحاً للقتل، من أجل توفير ثمن القذائف، وبينما لا تتوقّف المظاهرات في إسرائيل من أجل الإفراج عن عشرات الأسرى الإسرائيليين في غزّة، وهذا حقّ مشروع، لا أحد في إسرائيل على استعداد لرؤية الصورة المُرعبة على الجانب الآخر. لو كانت إسرائيل تعترف بحقوق الإنسان والقانون الدولي لما أسقطت حقّ حماية الأسرى، ولعاملتهم على نحو لائق، لكنّها ليست في هذا الوارد وهي تجد من يوفّر لها الغطاء في الهيئات الدولية، بما في ذلك محكمة الجنايات الدولية.
ليس بن غفير عنصرياً إسرائيلياً مُنقطع الجذور عما يحصل في العالم، هناك ملايين يشبهونه في كلّ مكان، منهم من يقودون حكومات في بلدان أوروبية عريقة حضارياً، وبعضهم يطلّ بصورة دائمة من وسائل إعلام دولية ذات سمعة. وهناك من لا يتحرّج من تبني خطاب بن غفير، وبعضهم الآخر يُمارس الصمت حيال الجرائم الإسرائيلية المُروّعة، ويدير وجهه عما يحصل من تدمير يومي، وقتل عائلات بكاملها. يسكتون عن تجويع الأبرياء وقطع الماء الصالح للشرب عن أكثر من مليوني إنسان، ولا يحرج ضمائرهم المنحرفة أن تعامل إسرائيل أهل غزّة كالحيوانات. والأكثر من ذلك، أنّ هؤلاء يتلقّون عقوبة ثمن تطاولهم على الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ديمقراطية الاستيطان والأبارتهايد التي زرعوها في أراضي الفلسطينيين كي تسمّم حياة هذه الجزء من العالم، وتدمّر مستقبل أجياله، وتمنعه من أن يعيش على أرضه مثل باقي شعوب العالم. يريدون طرد الناس من بيوتهم، ويستكثرون عليهم حتى الاحتجاج، في حين أنّ القانون الدولي يُقِرّ بحقّ الشعوب في المقاومة.
في العالم العربي هناك تيار واسع على شاكلة بن غفير، لا يقتصر فقط على مطبّعين يواصلون "البزنس" مع القتلة؛ مجرمي الحرب في إسرائيل، الذين دمّروا حياة الملايين من الفلسطينيين، بل يتجاوزهم إلى الشهود على الجريمة، سواء كان عن رضا أو خوف أو بداعي العجز. كلّ هؤلاء شركاء بدرجات في جريمة إبادة غزّة، التي تقاتل بعينيها ولا تركع، لا تدافع عن نفسها فقط، بل عن حقّ كلّ الأحرار بالكرامة والحرّية. غزّة الصغيرة والفقيرة، المحاصرة بالطغاة، معجزة إنسانية في هذا العالم الشاسع والغني، تُعلّمه كلّ يوم قيمة الدفاع عن الحقّ والعدالة، ولا تتراجع عن ذلك مهما كان الثمن.