انقلاب ترامب الذي لم ينجح وتوابعه
ثمّة أشياء في العالم يربطها رابطٌ خفي، وكأن هناك شيطاناً في الحسبة، يقودها ويغذّيها بشهوة الحضور والتألق والصبر، مائدة سياسية سامّة تعد ليلا، أو كانت تعدّ نهارا جهارا، وخصوصا في فترة ترامب، إلا أن الرياح جاءت على غير ما يشتهي ترامب وشركاته وشركاؤه، وجاءت عن طريق الصناديق ونخبة أميركية تعرف أن عافية البلاد مع الديمقراطية وحدها وبكل عيوبها، وذلك أفضل من دخول أميركا في انقلاب انقسامات. وكان لا بد من عمل زوبعة شيطانية ترامبية في الكونغرس، يقودها ترامب بألاعيب شرقية غير مدرّبة تماما على تمرير الألاعيب الانقلابية والصناعات العسكرية الفقيرة الخيال، والتي طالما رأيناها مع فناجين قهوة الصباح، سواء عربيا أو أفريقيا أو لاتينيا أو آسيويا، حتى باتت من المهازل الكونية، إلا أن لقمة أميركا الدسمة كانت كبيرةً على فم سمسار عقارات له بعض الدكاكين العربية، وبوتين، بعضلاته هناك، يحاول جاهدا أن يعيد عضلات الاتحاد السوفييتي إلى مائدة العالم لصدارة المشهد.
هل ثمّة علاقة ما بين فشل ترامب في تسويق انقلابه والحرب الأوكرانية وعزلة بوتين وسرقة الذهب والثورة معا في السودان و"فاغنر" في ليبيا وتثبيت الأسد الابن رغم تشتت أزيد من عشرة ملايين ما بين الداخل والخارج السوريين، وما بين تلك البجاحة ناقصة الخبرة لدى قيس سعيّد في تونس ومحاولة مصر التنقل "بالعدّة الانقلابية الناجحة" عسكريا وقضائيا من بقعة إلى أخرى، مستعينة بجنرالاتٍ خارج الخدمة كخليفة حفتر في ليبيا، أو عبد الفتاح البرهان عديم القبول بتاتا، حتى جاءت الأزمة الأوكرانية وتأثيرها القاتل غذائيا على أفريقيا، فكانت حيل "الحوار الوطني" المطروحة في كل من السودان، ومصر، وتونس، كلها متشابهة وبالكربون القديم جدا، محاولة للخروج من ذلك الحرج القاتل؟
ثمّة نافورة دم، وثمّة انقلابات وعوائد نفطية وأزمات غذائية تدقّ طبولها وأسلحة تُشترى وأنظمة عربية مضطربة تحسب حسابات استمرار وجودها في عالمٍ يخاف على طعامه، وأفريقيا في المقدّمة، وبوتين هناك يحاول جاهدا الخروج من أزمته بالغذاء والحبوب وبقية العضلات وبوجوده في سورية، تلك البوابة التي تقرّبه من المياه الدافئة، وثمّة أنظمة عربية توظف الأزمات كلها لاستمرار وجودها وتقويتها بالسلاح فقط، سواء أكانت الأزمات صحية أو غذائية أو اللعب في ظل سمسار عقارات ومصارع تلفزيوني أهوج، يبحث عن الشهرة التي تحمي ملياراته وأطماعه، مثل ترامب، لفظته نخبة بلاده من أول يوم، خلافا لنخبنا العربية التي احتمت بالدكتاتورية، حماية لأطماعها الصغيرة ووجودها وجوائزها وكتبها وأسفارها، وبقية الفتات المطروح من أيادي العساكر وعوائد مليارات السعودية، والإمارات وجواز سفرها الشرفي الذي نالته أخيرا نرمين الفقي، بعد كفاح طويل في المنهج وجهودها المعملية، أو في ظل الحضور والمتعة الآمنة للاتحاد السوفييتي القديم، في ظل عضلات ضابط مخابرات روسي يربيها لثلاثين سنة لإعادة مجد الاتحاد السوفييتي القديم، مستمتعا باليخوت بعدما حوّل نخبته من العلماء، والخبراء، والفنانين والكتّاب ورجال الأعمال، إلى أوليغارشيا موالية وأصحاب يخوت وأندية رياضية.
بنوك وعملات وأسلحة وذهب، وعصابات رسمية وغير رسمية، كفاغنر أو أخواتها، وانقلابات مصنوعة كان يعوّل فيها بشدة على فترة ثانية لترامب، إلا أن الرياح جاءت على غير ما يهوى السماسرة، فكان "الانقلاب الترامبي" الأهوج الذي لم يستعن فيه بحرفية صنّاع الانقلابات في بلاد شرقنا، وهم أهل صنعة قضائية وأصحاب حرفة ابتداء من بغداد، في فترة الأمين والمأمون، وتدريب الزعران والبلطجية، ابتداءً من بغداد، مرورا بدمشق والقاهرة، حتى حدود المحيط من الغرب. كان ينقص ترامب اكتمال الخطة، وإرسال الوفود للتدريب القضائي في محاكم زنانيري .. إلخ، إلا أنه استعجل الخطة، ولم يدرّب النخبة المؤهلة على احتلال وزارة الثقافة أو "محاولة خلع بوابة قصر اتحاديته أو الكونغرس بونش من أوناش رجال الأعمال"، ولم يستعن بقطع الرخام في ميدان التحرير مثلا. خانت الخطة ترامب، ما اضطرّه أن يعيد تكوين عضلاته كي يعيد "المشهد العالمي" إلى خزينة عضلاته، فكان الاجتياح الروسي لدولة جارة هو الحلّ.
حلّ قديم وبشع لإعادة عقارب ساعة العالم قرونا إلى الوراء دونما أي خجل، لا من الموسيقى ولا من السينما ولا من المسرح ولا من الكتب ولا من الحضارة برمتها؛ فقط قنابل تدكّ، وهذا ما فشل ترامب في الوصول إليه بمسرحية سمسارٍ يخاف على بقية ملياراته، ويفتقد الخبرة المؤهلة.