انفجار نطنز .. عشرة أسئلة
من بين عدد لا حصر له من الأسئلة المتناسلة من واقعة تفجير منشأة نطنز النووية في إيران، وفيض هائل من القراءات والتكهنات حول مآلات هذه الفعلة الكاشفة أكثر من صفحة مطوية، يجد المراقب نفسه أمام عشرة أسئلة مفتاحية، تُشكل في حصيلتها "دليل الحيران بين البوح والكتمان"، لفهم مغزى ومبنى هذه الواقعة الفاصلة بين زمنين من عمر مواجهة مديدة، جرت بعض فصولها في الظل، فيما دار بعضها الآخر على رؤوس الأشهاد، كما يمكن أيضاً للمتسائل عن عقابيل هذا الحدث الزلزالي، من خلال هذه الأسئلة المفتوحة على مقارباتٍ غير نمطية، أن يقف على تخوم حقائق نسبية قابلة لمزيد من النقاش الموضوعي.
في غمرة الارتدادات الناجمة عن تفجير أثمن الممتلكات النووية لدى الجمهورية الإسلامية، هناك ثلاثة أسئلة مطروحة على إيران، وهناك ثلاثة مثلها معلّقة في عنق إسرائيل، فيما تبلغ حصة أميركا سؤاليْن اثنين. أما نصيبنا، نحن المشتغلين بغواية السياسة وشقاء الصحافة، فلا يتعدّى السؤالين المتبقيين في سلة علامات الاستفهام والتعجب المنتخبة هذه.
ولعل السؤال الأول، الأشد إلحاحاً على العقل الإيراني في هذه الآونة، هو ليس لماذا، وإنما كيف يتكرّر كل هذا الخرق الفاضح بسهولة مفرطة؟ أين يوجد؟ وعلى أي مستوى في المنظومة الأمنية؟ حيث بدأ قبل سرقة طن ونصف الطن من وثائق البرنامج النووي، أو قل اختطاف درّة التاج، ونقلها من قلب طهران إلى تل أبيب، وتواصل باغتيال فخري زادة، وهو أبو المشروع كله، في العاصمة المسيّجة بالحرس والعسس، وقد لا يكون آخراً تفجير الحلقة الذهبية في القلادة المدفونة عميقاً تحت الأرض، من دون ان يترك الجناة أثراً لهم؟
السؤال الثاني متعلّق بكلفة المشروع النووي ذاته، الذي يثقل أكتاف دولة محاصرة كل هذا الوقت الطويل، وهو سؤالٌ متصلٌ بسؤال "إلى متى" يمكن المضي به مكشوفاً إلى هذا الحد، وبقاؤه عرضة للاستهداف على طول الخط، لا سيما إذا كانت كل هذه الفيالق العسكرية ووحدات الحرس الثوري والأجهزة الأمنية، ومعها الصواريخ البالستية والاستعراضات والمناورات الحربية في البر والبحر، غير قادرة على حماية هذا المشروع الذي استثمرت فيه إيران الكثير من الجهد والمال، وتحمّلت لأجله كل العقوبات، وها هو صار مسرحاً يلعب فيه الأعداء؟
غير أن ثالث الأسئلة الثلاثة المطروحة على إيران هو الأكثر حرجاً: ما الذي تفعله طهران في فيينا هذه الأيام، بعد أن فقدت رافعة الضغط الكبرى لديها عقب انتزاع ورقة التهديد برفع تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، فيما مفاعل نطنز بات أثراً بعد عين، حيث تقول معلومات غربية إن نحو 150 كليو غراماً من المتفجرات قد تم إدخالها على مراحل في المنشأة التحت أرضية (على عمق 50 متراً) وأن تفجيرها المضاعف في مكان مغلق قد أحرج المفاعل عن الخدمة، ولوّثه بالإشعاعات، الأمر الذي لا يمكن التغطية عليه برفع الصوت عاليا في فيينا أمام من يعلمون علم اليقين أن مسدس المفاوض الإيراني بات محشواً بخرطوشة فارغة.
على الجانب المقابل، يتجلى السؤال عمّا جعل إسرائيل واثقةً إلى هذه الدرجة، ليس بقدرتها على تفجير نطنز في أفضل توقيت مناسب لحساباتها السياسية وأهدافها الاستراتيجية، وهذ أمر درجت على فعله طوال الوقت الطويل من غير مساءلة، وإنما أساساً (وهو السؤال الثاني) عن سبب اطمئنانها إلى انعدام رد فعل انتقامي محتمل من نظام كثيراً ما توعّد بمسحها عن الخريطة؟ وفوق ذلك، ما الذي جعل المعتدي يفقد رشده، ويكسر قواعد لعبة الغموض المعتمدة لديه، ويجاهر هذه المرة، بارتكاب الفعلة، بغبطةٍ مفعمةٍ بعدوانيةٍ وغطرسة شديدة.
وفيما يتصل بالسؤالين المضمرين لدى أميركا، وقد يظلان هكذا إلى أجل غير معلوم، فأولهما يدور حول ما إذا كانت إدارة بايدن تعلم سلفاً بخطة تفجير مفاعل نطنز، وبتوقيت حدوثها مع وصول وزير دفاعها إلى تل أبيب لحظة بلحظة. أما ثانيهما فهو منصبٌّ على معرفة ما إذا كانت هذه الفعلة الإسرائيلية تخدم استراتيجية واشنطن التفاوضية، على عكس ما يقال إنها عقّدت الخطة، ولو إلى حين؟
يبقى سؤالان حارقان، ونحن نتابع إعلام المحور الإيراني المهلل لمنطق الاحتفاظ بحق الرد، وهو ليس رداً على أي حال، والمصفّق لرفع نسبة التخصيب عالياً: هل لدى الجمهورية الإسلامية خط أحمر، وإن كان كذلك فأين يقع هذا الخط بعد كل هذه الضربات الموجعة؟ والثاني يوحي به خطاب المحور: هل تم تفجير نطنز أم ديمونا بحق السماء؟