انتهت الحرب وماذا بعد؟

27 مايو 2021
+ الخط -

في الوقت الذي تؤكد فيه المقاومة الفلسطينية أنّ معركة ''سيف القدس'' كانت منعطفاً نوعياً في الصراع مع إسرائيل، تحاول حكومة بنيامين نتنياهو قطع الطريق على الفلسطينيين، حتى لا يستخلصوا أيّ عائدٍ سياسي من هذه المعركة. ومن ذلك استمرارها في إغلاق حيّ الشيخ جرّاح في القدس، والاعتداء على الفلسطينيين في الضفة الغربية، والتضييق عليهم داخل الخط الأخضر، في مسعى إلى تفادي تشكّل مخرجاتٍ سياسيةٍ قد يستثمرها الطرف الفلسطيني، لا سيما مع التحول الطفيف الذي طرأ على الموقف الأميركي، والتضامن اللافت الذي حظي به الفلسطينيون من الرأي العام العربي والدولي، وتراجعِ تأثير الرواية الإسرائيلية، بعد أن نجح هؤلاء في كسب معركة الصورة، وإحداث تعديل نسبي في رؤية الرأي العام الغربي لتركيبة الصراع.
ولعلّ ما يساعد الحكومة الإسرائيلية في مسعاها هذا استمرار الانقسام الفلسطيني، وغياب أيّ أفقٍ لمصالحةٍ وطنية تعيد بناء المشروع الوطني الفلسطيني، فحركة حماس تدرك أنّ المواجهة التي جرت أخيراً قد تتحول إلى عبء سياسي، ما لم تُفض إلى الضغط على إسرائيل لوقف سياساتها العنصرية إزاء الفلسطينيين، وبالأخص في ما يتعلق بالاستيطان والتهويد، غير أنّ هذا الضغط يبقى مشروطاً بتعديل القوى الدولية المؤثرة مواقفها كي تصبح أكثر توازناً. وقد نجحت الحركة في إحداث ثغرة في موقف الاتحاد الأوروبي الذي أبدى استعداده للحوار معها، ولو بشكل غير مباشر، بعدما أدرك أنّها أضحت رقماً أساسياً في معادلة الصراع. ومن ثمَّ، نجاحها في توسيع هذه الثغرة باتجاه قوى دولية أخرى يتوقف، بالضرورة، على إنهاء الانقسام بينها وبين حركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية. وقد بدا واضحاً أنّ الولايات المتحدة ما زالت غير مستعدة لقبول "حماس" ضمن معادلة الصراع، ولذلك ما فتئت تؤكد على شرعية السلطة، ممثلة في الرئيس محمود عبّاس، بالتوازي مع تأكيدها الالتزام بأمن إسرائيل. صحيحٌ أنّ هناك تغييراً طفيفاً في موقفها بعد انتخاب جو بايدن، لكنّها لا تريد تعديلاً جوهرياً في ميزان القوى، يعيد الصراع إلى أصوله التي تمثل إقامةُ دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين أبرز عناوينها. وهذا ما يفسّر تأكيد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، دعم واشنطن سلطة الرئيس عبّاس، في مقابل معارضتها تحوّل الرصيد النضالي والسياسي والرمزي لحركة "حماس" إلى رافدٍ يقوّي الموقع التفاوضي للفلسطينيين في حالة إطلاق مبادرة للتسوية. وقد كان دالاً تأكيده على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، في حين لم يخصّ الفلسطينيين بهذا الحق، وهم الذين قدموا أكثر من 280 شهيداً، في حين لم يتجاوز عدد القتلى الإسرائيليين 13.
ترفض واشنطن أيّ انزياح في منظومة السياسة الفلسطينية التي تُفضّلها ضعيفة ومنقسمة أمام الطرف الإسرائيلي. ويبقى ما يعنيها، الآن، تثبيت وقف إطلاق النار، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وبحث برامج إعادة إعمارها بعيداً عن "حماس" وبالتالي، لا يقع ضمن أولوياتها إطلاق محادثات سلام بين الطرفين، لأنّ ذلك يتطلب مبادرة واضحةً وقابلة للتنزيل، ووجودَ قوة سياسية إسرائيلية جادّة تقبل تسوية تفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967. هذا علاوة على أنّها لا تريد تبديد ''الرصيد السياسي'' لاتفاقات التطبيع التي أبرمتها بعض الدول العربية مع إسرائيل، خصوصاً بعدما أعادت الهبّةُ الفلسطينية إلى الواجهة مركزية مدينة القدس التي شكّل الاعترافُ الأميركي بها عاصمةً لإسرائيل عنواناً رئيساً في "صفقة القرن" سيئة الذكر.
تحاول القوى الدولية والإقليمية الداعمة لإسرائيل إعادةَ إنتاج الوضع السابق على هذه الهبّة، بالتوازي مع إطلاق تصريحاتٍ فضفاضة، من قبيل الحق المتساوي للإسرائيليين والفلسطينيين في الأمن، هذا في وقتٍ فرضت المقاومة الفلسطينية واقعاً ميدانياً جديداً سيكون الاستمرار في القفز عليه مكلفاً لجميع الأطراف، خصوصاً بالنسبة للفلسطينيين الذين يتطلعون لاستثمار تضحياتهم، بما يعيد قضيتهم العادلة إلى صدارة الاهتمامين الإقليمي والدولي.