انتخابات نيابية بنكهة التمديد والتجديد

07 أكتوبر 2021
+ الخط -

كتب الصحافي والمحامي اللبناني، باسم الجسر، في كتابه عن الرئيس اللبناني الأسبق، فؤاد شهاب، أنّه أسرّ له بالآتي: "لماذا تقاتلوا عام 1958؟ بعضهم ليصبحوا نوابًا ووزراء، وبعضهم الآخر كي يبقوا نوابًا ووزراء. إذن، فليصبحوا كذلك جميعًا ونضع لهم قانونًا انتخابيًا على قياسهم". رحل شهاب، وبقي ما أسرّ به ينطبق كلما وضع اللبناني قانونًا انتخابيًا، لأنه دائمًا يفصَّل على قياس المسؤول كي لا يخسر مقعده.

لم تتغير الأحداث عمّا كانت عليه عام 1958 الذي شهد ثورةً قادها فريق من اللبنانيين الموالين للقومية العربية، بزعامة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، بوجه فريق العهد المتمثل يومها بالرئيس كميل شمعون، الذي سعى إلى الانضمام إلى حلف بغداد. فما بين الأمس واليوم، يُطرح: هل تغيّر شيء في الحياة العامة للبنان، كي تشكّل تلك الانتخابات، المنتظرة بعد أشهر، علامة فارقة، وتحوّلًا حقيقيًا في تاريخ هذا البلد؟ أم هي فقط محطّة للتجديد والتمديد للكتل النيابية ذات التمثيل الطائفي داخل المجتمع اللبناني؟ فما الجديد الذي ستأتي به انتخابات 2022 على الساحتين السياسيتين، الداخلية والإقليمية، وداخل أروقة المجلس النيابي؟

لم يكد رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، ينطق أن "الانتخابات النيابية ستحصل في 27 آذار، في حين أن الانتخابات البلدية ستؤجل"، حتى بدأت الماكينات الانتخابية لدى الأحزاب ورشة العمل تمهيدًا للاستحقاق النيابي؛ فعلت الأصوات والمزايدات في لغة التخاطب، وتسارعت وتيرة رمي الاتهامات على الأفرقاء الآخرين، لجذب الأصوات الانتخابية، وحصد أكبر كتلة برلمانية.

تزداد أصوات المعارضة باعتمادها هجوما مركّزا، يحمّل رئيس البلاد ومن خلفه وحليفه حزب الله  مسؤولية ما وصلت إليه لبنان من انهيار دراماتيكي

يرى فريق التيار الوطني الحر في التدقيق الجنائي إنجازًا يسجّل نقاط قوة عند الناخب، لأنّه سيضع لبنان أمام تصحيح وحوكمة جديدة لمؤسساته، كما سيعاقب كل من سوّلت له نفسه مدّ يده إلى المال العام. بالتوازي، اعتبر رئيس التيار الوطني الحرّ النائب، جبران باسيل، أن "حق المنتشرين دستوري وقانوني بالتصويت وبالتمثيل"، مشيرًا إلى أن "من حقّهم أن يصوّتوا ويترشّحوا بالخارج وينتخبوا ستة نواب يمثلونهم في البرلمان". هذا دليل إضافي على أن هذا الفريق يحاول تقديم نفسه حاميا لحقوق الناخب، المغترب تحديدًا. بالمقابل، يسعى حليفه حزب الله، بعد ثورة 17 تشرين (2019) التي أدخلته في شبه عزلة، سببها تحميله ما وصل إليه لبنان من انهياراتٍ على الصعيدين، الاقتصادي والاجتماعي، نتيجة العقوبات الغربية والمقاطعة العربية التي فرضت على لبنان، من جرّاء تدخله في الشؤون الإقليمية، وامتلاكه ترسانةً من الصواريخ الدقيقة بتمويل إيراني، إلى تقديم الرشوة الانتخابية، ولو بطريقة مبطّنة ذات طابع إنساني، من خلال المعونات المالية لضحايا حادثة تليل العكارية، أو بإدخاله مادة المازوت من إيران، عبر صهاريج وزّعها على كل المناطق من دون تمييز.

من ضمن مشهدية التحضير للانتخابات، حيث بات الفريق المعادي للعهد يحاصره انتخابيًا، ويجذب الرأي العام الناخب إليه، تزداد أصوات المعارضة باعتمادها هجوما مركّزا، يحمّل رئيس البلاد ومن خلفه وحليفه الحزب مسؤولية ما وصلت إليه البلاد من انهيار دراماتيكي، ما أدّى إلى رفع نسبة الفقر بين اللبنانيين إلى أكثر من 70% بحسب تقارير الأمم المتحدة. كما أن هذا الفريق يرى في طوابير الذلّ ورقة رابحة، يرفعها بوجه هذا العهد، لتحميله مسؤولية إضافية، وهي هذه الأزمات المستجدّة ومشاهد الذلّ غير المألوفة.

الجميع سيرفع شعاراته ويطرح مشاريعه الوهمية التي لا تنفّذ إلا في مخيلات ذلك الناخب الحالم ببلد أفضل

بين العهد وخصمه، يتموضع لاعبٌ جديدٌ على الساحتين، السياسية والانتخابية، في لبنان، يطلق على نفسه اسم ثورة 17 تشرين الأول، اللاعب الذي حمل شعار "كلن يعني كلن" يجب إسقاطهم، وتحميلهم مسؤولية ما وصلت إليه البلاد، نتيجة مشاركتهم في الحكم ومداورتهم على السلطة منذ أكثر من ثلاثين عامًا. هو أيضًا يعمل لحجز موقع له في المجلس النيابي، ويسعى للوصول إلى السلطة، لهذا قد تتصاعد وتيرة تحرّكاته في الأسابيع المقبلة، سيما بعد فرز شخصياتٍ لتقديمها للثوار أنهم ممثلو ثورتهم.

الجميع سيرفع شعاراته ويطرح مشاريعه الوهمية التي لا تنفّذ إلا في مخيلات ذلك الناخب الحالم ببلد أفضل، والتي لم يزل يسمعها ويؤمن بأنها ستتحقق منذ استقلال هذا البلد عام 1943. إذًا، هدفت الثورة إلى ضرب مصداقية العهد، وتقليص تمثيله الشعبي مع حلفائه، وتحجيم كتله النيابية، للحد من دوره في السلطة التشريعية.

اليوم كما الأمس في الشكل من خلال القيام بثورة لضرب العهد، ولكن المضمون مختلف. فثورة 1958، كانت نتيجة رفض التموضع الذي حاول الرئيس شمعون زجّ البلاد به، من خلال انضمامه لحلف بغداد بقيادة الولايات المتحدة، بينما ثورة 17 تشرين، انطلقت لمنع العهد وحلفائه من تموضع لبنان في محور الممانعة بقيادة الجمهورية الإسلامية في إيران. لهذا، يعوّل كل فريق ومن يدعمه إقليميًا ودوليًا، على كسب أكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية، فالمعركة مفتوحة على كل الاحتمالات والمال الانتخابي سيكون سيد الساحات لإغراء الناخب.