المغرب .. التعليم عائقاً أمام التنمية

22 سبتمبر 2022
+ الخط -

مرّة أخرى، يقرّ المغرب بعجزه عن رفع تحدّي التنمية البشرية. جاء ذلك على لسان وزير الداخلية، عبد الواحد الفتيت، في افتتاح الدورة الثانية للمناظرة الوطنية للتنمية البشرية التي نُظمت في مدينة الصخيرات، الإثنين الماضي، حيث قال: ''بذل المغرب مجهودات كبرى لتطوير مستويات التنمية البشرية (..)، لكنه لم ينجح بعد في تطوير مؤشّرها، بالنظر إلى نسب العجز المسجلة في صفوف التلاميذ''. وتحدث أيضا عن ''تراجع جودة التعلُّمات''، و''تأخر التلاميذ المغاربة في المعارف الأساسية'' و''صعوبة إعدادهم للاندماج في الحياة المهنية بكل سلاسة''.

يتقاطع ما قاله الفتيت مع ما خلصت إليه تقارير ودراسات، وطنية ودولية معلومة، بشأن عدم تمكّن عدد كبير من التلاميذ المغاربة من الكفايات الأساسية في القراءة والرياضيات والعلوم، جديدها أخيرا مؤشّر التنمية البشرية (2021-2022)، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي وضع المغرب في المرتبة 123. وهو ما لا يبعث، فقط، على الأسى، بل على الإحباط بسبب الموارد المالية الضخمة التي خُصّصت لقطاع التعليم خلال العقدين الأخيرين، من دون نتائج ملموسة تُحدِث الفارق داخل منظومةٍ تربويةٍ لا تفتأ تعيد إنتاج انتكاساتها بشكل دراماتيكي.

صحيحٌ أن جائحة كورونا والحربَ الروسية الأوكرانية واستفحالَ أزمتي الطاقة والغذاء وانخفاض النمو الاقتصادي وارتفاع معدّل البطالة والتضخم، كلها عواملُ ساهمت في هذا التدهور، إلا أن ذلك لا ينفي أن سبب معضلة التنمية البشرية غياب مشروع جدّي لإصلاح التعليم والنهوض بشؤونه. ومن ثم، ما قاله الفتيت لا يسائل، فقط، نجاعة السياسات والبرامج التي انتهجتها الحكومات السابقة في قطاع التعليم، بل يسلط الضوء أيضا على حدود النموذج التنموي الجديد، والصعوبات التي تعترض ترجمة مضامينه على أرض الواقع، أمام غياب منظومة تربوية قادرة على مجابهة التحدّيات التي يشهدها عالم اليوم، وبالأخص في ما له صلة بتلبية حاجيات المجتمع من الموارد البشرية المؤهلة.

من نافل القول إن تحقيق مؤشّرات متقدّمة في التنمية يمر عبر التعليم، فبقدر ما تتوفر الدول والمجتمعات على أنظمة تربوية متطوّرة، يصبح في وسعها كسب معركة التنمية على مختلف واجهاتها. ولذلك، تأهيل المدرسة، وتحديث المناهج والبرامج التعليمية، وتعزيز قيم المواطنة والحرية وحقوق الإنسان، وتعزيز التفكير النقدي لدى المتعلمين، يشكّل ذلك كله دعامة رئيسة لبناء مشروع تنموي متكامل. فلا تنمية من دون الاستثمار في الرأسمال البشري من خلال منظومة تربوية تحفّز على الابتكار والإبداع. فلا ينبغي أن تكون المدارسُ والمعاهدُ والجامعاتُ مجرّد مبانٍ للتلقين واجترار مناهج وبرامج مكرورة وإعادة إنتاج مظاهر التخلف المجتمعي، بل يُفترض أن تكون على تماسٍّ مباشر مع ما يفرزه المجتمع من تحولات متسارعة.

يحيل إقرار وزير الداخلية بتدهور قطاع التعليم إلى المأزق الإصلاحي للسلطة في المغرب، إذ بقدر ما يُمثّل إصلاح هذه المنظومة هاجسا لديها، إلا أنها تبدو غير مستعدّة لدفع الكلفة السياسية لهذا الإصلاح، والذي يتمثل، بالأساس، في إصلاح سياسي شامل ينعطف بالبلاد، ولو بشكل متدرّج، نحو الديمقراطية التي من شروطها وجود طبقة وسطى متعلمة ومعنية بقضايا التحديث والإصلاح.

لقد أسهم التعليم، خلال العقود الثلاثة التي أعقبت الاستقلال، في تطوّر هذه الطبقة، حيث أتاح لفئات واسعة الاندماج في سوق العمل وتحسين أوضاعها المعيشية، وحيازة رأسمال تعليمي وثقافي قابل للتحوّل إلى رأسمال اقتصادي واجتماعي. وساعد ذلك على الحراك الاجتماعي داخل المجتمع. بيد أن تبنّي سياسة التقويم الهيكلي، مطلع الثمانينيات، بالتوازي مع تراجع الإنفاق العمومي وارتفاع معدّلات الفقر والبطالة حوّل التعليم إلى مجرّد قطاع لامتصاص البطالة داخل أوساط الخرّيجين، من دون رؤية استراتيجية تعي أهميته في تطوير التنمية البشرية.

ختاما، تقتضي مواكبة التعليم المشروع التنموي الجديد في المغرب رؤية سياسية مغايرة، تقطع مع اعتباره مجرّد عبء سياسي واجتماعي، والنظر إليه رافعة أساسية لتحقيق التنمية المنشودة.