المعارضة وعودة سورية إلى الجامعة العربية
ربما تكون الصورة التي جمعت نائبة وزير الخارجية الأميركية، باربارا ليف، مع الوفد المشترك الذي جمع رئيسي وأعضاء وفدي الائتلاف الوطني لقوى الثورة وهيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية في واشنطن، نهاية الشهر الماضي (أبريل/ نيسان الماضي) خير دليل على الحال الذي وصلت إليه المعارضة السورية نتيجة مشكلاتها البنيوية، إضافة إلى المعضلة التي وقعت فيها بعد موجة الانفتاح العربي على النّظام، وتبنّي وزراء خارجية بعض الدول العربية قرار عودة سورية لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية. وإذ جاءت الصورة بعد لقاء لم يحصل بين الوفد وليف، بل حصل مع مساعدها للشؤون السورية، على الرغم من أنه كان مقرّراً ضمن بروتوكول الزيارة، فإن هذا الأمر يطرح مدى الوهن الذي باتت تعانيه هذه المعارضة، لأنها لم تستطع مراكمة عوامل قوة، يحميها من هزال الطرح، ما يعطي انطباعاً سلبياً عما تمثله، أتمثل ذاتها أعضاء، أم تمثل شعباً انعزلت عنه فازدادت درجة نخبويّتها حتى باتت هنالك هوّة سحيقة بين ما يدور في عقلها وفي أروقة مكاتبها وبين واقعه ومشكلاته؟
ليس هنالك أكثر من الساسة الأميركيين دقّةً في تقدير المواقف وتصنيف الهيئات الاعتبارية والشخصيات الفردية اعتماداً على ما يستند عليه هؤلاء من قدراتٍ معنويةٍ ومادية. لذلك، عرفت باربارا ليف أن وقتها لا يسمح لها بإعادة سماع سردياتٍ قديمة قدّمتها المعارضة السورية يوم فرضت نفسها على الساحة بحكم الأمر الواقع، وبحكم توافق الفرقاء الإقليميين والدوليين عليها، ولم تفرض نفسها بفعل التمثيل الذي تستند عليه أو الشرعية الشعبية التي اكتسبتها. ويبدو أن هذه الجزئية غابت عن ذهن المعارضة، ربما لسوء تقديرٍ لما بين يديها من عوامل قوة عليها إنضاجها وتفعيلها، وربما بسبب نخبويّتها العالية التي منعتها من النظر إلى فئات الشعب السوري باعتبارهم مكمن أي قوة ومصدر أي شرعيةٍ لمن يطرح نفسه ممثلاً لهم بحكم صحة التمثيل وليس بحكم الأمر الواقع.
المعارضة السورية، إضافة إلى إهمالها قضية اللاجئين في دول الجوار السوري، لم تبنِ صلاتٍ مع القوى اللبنانية التي تتقاطع معها في معارضة النظام أو حزب الله
أحد أسباب مشكلات المعارضة ممارستها السياسة بأدوات النظام الذي عارضته، والذي طرحت نفسها بديلاً عنه، من دون أن تقدّم البديل المتكامل والجاذب. ومن هنا، استمرّت هذه المعارضة بالتعامل مع أبناء الشعب السوري بوصفها وصية عليه، وقد فاتها، في هذا السياق، أن هذا الشعب امتلك وعياً مغايراً للوعي الذي كان عليه قبل سنة 2011، كما أنه امتلك إرادةً تمكّنه من الرؤية المغايرة. وبعد 12 سنة على الحراك السوري، وبعد تراكم ممارساتها السلطوية الخاطئة، اتّضح أن هذه المعارضة تبنّت مبدأ الأبدية والتأبيد الذي تنتهجه الأنظمة في منطقتنا العربية، وغيرها من المناطق. لذلك لم تدرك أنه إذا كان عدم تغيير الوجوه والخطاب من العوارض المَرضية لدى الأنظمة، فإنه بالنسبة لها مصدر المقتل الذي يتربّص بها. وإذ كانت الأنظمة قادرةً على التغلب على هذه العوارض المرضية أو تخطّيها بفضل أدوات الحكم التي تمتلكها، فالمعارضة ستعاني كثيراً بسببها، وستُصاب بالشلل قبل الموت السريري الذي تعتقد أنها محصّنة ضده.
وبحكم المصادفة، وربما لسوء حظ هذه المعارضة، أو ربما بسبب تقصيرها الذي انعكس أهوالاً على من يُفتَرض أنه جمهورها، جاءت آخر التحدّيات التي برزت أمامها وأظهرت سوء إدارتها الملفات التي يجب أن تكون من أولوياتها لكي تحصل على الشرعية الشعبية، التحدّي المتمثل بتفجُّر مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان قبل شهر. وظهر أن هذه المعارضة، إضافة إلى إهمالها قضية اللاجئين في دول الجوار السوري، لم تبنِ صلاتٍ مع القوى اللبنانية التي تتقاطع معها في معارضة النظام أو حزب الله، فتبيّن أنها لا تمون على أيٍّ من هذه القوى، لكي تطلب منها الخروج بصوتٍ عقلانيٍّ يخفّف من أثر موجة الكراهية والعنصرية والطائفية التي تجتاح لبنان، وتصبّ نيرانها على رؤوس هؤلاء اللاجئين.
ظهر العرب كأنهم يسابقون الإيرانيين إلى النظام الذي بدا شديد التوافق مع الإيرانيين خلال زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، دمشق قبل أيام
أما ثقلها فقد ظهرت قيمته الفعلية بعد موجة الانفتاح العربي على النظام، والتي بدأت، وفي خطّتها التطبيع الكامل معه في آخر المطاف، بعد تنفيذه المطالب التي تضعها الدول التي تتحاور معه على طاولته، والتي تقول إنها تتوافق والحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254. أما مكانة هذه المعارضة ومكانها وسط هذا الحراك فيمكن البتّ به بعدما تأكد أن هذه الدول لم تستشرها في أمر انفتاحها عليه، أو حتى تستمع لنداءاتها في وقف موجة التطبيع، فما بالك في القرار الذي اتخذه وزراء الخارجية العرب، في الاجتماع الاستثنائي الذي عقده مجلس جامعة الدول العربية في القاهرة، في 7 مايو/ أيار الجاري، ووافقوا بموجبه على عودة سورية المشروطة إلى شغل مقعدها في الجامعة؟ وقد لا يقتصر القرار على العودة إلى شغل الموقع، بل قد يكون هذا القرار تمهيداً لرفع العقوبات السياسية والاقتصادية التي فرضتها الدول العربية عليها، حين علقت عضويتها في الجامعة سنة 2011.
بتّ القرار في مسألة عودة سورية، لأن قرارات من هذا النوع تتخذ وفق مبدأ التوافق، لا التصويت الذي يمكن أن يصطدم بمعارضة بعض الأعضاء. ومن الواضح أن مبادرة وزراء الخارجية العرب التي أطلق عليها "خطوة مقابل خطوة" لإنهاء الأزمة في سورية، والتي تنسجم مع القرار 2254، كما قالوا، تمضي بسرعة. وبغض النظر عن الخطوات التي طلبها العرب من النظام في اجتماع عمّان التشاوري الذي عقد قبل أيام، إلا أن العرب ظهروا وكأنهم يسابقون الإيرانيين إلى النظام الذي بدا شديد التوافق مع الإيرانيين خلال زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، دمشق قبل أيام.
وفي هذا السياق، أفضل ما يمكن أن تقدمه المعارضة السورية وأقطابها ورموزها هو أن تستقيل وأن تبحث عن نخبة جديدة تقطع مع الخطاب الذي خرجت به النخبة التي ظهرت بعد 2011، وتمسك بيدها حتى تتمكّن من السير على المسار الذي يؤدي إلى الحل، عبر الإصغاء لآلام السوريين ورؤية مشكلاتهم الحقيقية، فإن المستجدّات ستساهم في تراجعها وفي فقدانها الشرعية الشعبية بين جمهورها. فهل تفعل المعارضة ذلك؟ يبدو هذا الأمر صعب التحقّق بعد الصورة التي جمعت أقطابها مع باربارا ليف، والتي يبدو أنهم قطعوا المحيط الأطلسي لالتقاطها، وتعليقها على حيطانهم، لا أكثر.