المعارضة السورية الداخلية وسقف الحرب
"تجمع المعارضة الوطنية الداخلية" جسم سياسي جديد في سورية خلال شهرين، جاء بعد إعلان الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود) في مايو/ أيار الماضي عن عقد مؤتمرها التأسيسي. وفي حين أن الأطراف التي أطلقت "جود" معروفة، وتنتمي في معظمها إلى هيئة التنسيق الوطني، فإن الذين شكلوا التجمع الجديد الأسبوع الماضي اكتفوا بالإشارة إلى أنهم مجموعة من أحزاب وقوى المعارضة الداخلية التي تهدف إلى "إيجاد مخرج يؤمّن بدء حوار وطني حقيقي وطرح تغيير سلمي متدرج". وما هو معلوم أن التشكيل الأول نشر برنامجه قبل إعلان التأسيس، وكان ينوي عقد مؤتمر علني في دمشق، إلا أن النظام منعه رسميا، ما أجبر المنظّمين على عقده إلكترونيا، بينما لم تتسرّب معلوماتٌ كافيةٌ عن التشكيل الثاني، وبقيت التفاصيل الخاصة به شحيحة، باستثناء ما ورد في وثيقةٍ أوليةٍ تقول إنه ولد في دمشق، وتؤكّد على "أهمية وجود معارضة وطنية وازنة .. في وقت تتابع السلطة الاعتماد على قوة تحالفاتها الخارجية، بدلاً من الاعتماد على القوى الداخلية".
الفارق بين التشكيلين أن الأول ولد قبل انتخابات بشار الأسد لولاية جديدة، والثاني بعدها. بينما القاسم المشترك بينهما أن كلا منهما يصدر من داخل سورية، ويطلق على نفسه صفة "معارضة وطنية داخلية"، ويتبنّى خطابا يدعو إلى الحل السياسي، في الوقت الذي يعتقل النظام في سجونه عشرات آلاف المعارضين السياسيين منذ سنوات، إلا أن "جود " أكثر وضوحا، وهي التي عقدت مؤتمرها تحت شعار "نحو سورية دولة مدنية ديمقراطية"، وخاضت مواجهةً من أجل ذلك، على الرغم من أن صيغة بيانها التأسيسي لم تبتعد كثيرا عن خطاب هيئة التنسيق الوطني طوال الأعوام الماضية لجهة متابعة العمل في "سياق الحل السياسي وقرارات الشرعية الدولية"، وأن "جود ستضطلع بالعمل الوطني، لبناء جبهة موسعة مفتوحة لكل القوى والشخصيات الوطنية داخل سورية وخارجها".
والجديد في الأمر أنه منذ سبتمبر/ أيلول عام 2012، لم تشهد سورية مؤتمرًا يحضره ممثلون عن قوى معارضة، كما جرى في 2011 الذي شهد تشكيل هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، وشكّلت أكبر تنظيم للقوى المعارضة في الداخل. وبالتالي فإن إعلان جسمين سياسيين في هذا الظرف يطرح أسئلة عديدة، بشأن هذه الخطوة وجدواها ومكانها من الوضع السوري العام الذي لا يزال يدور من حول الحرب التي يواصل النظام وحليفاه، الروس والإيرانيون، شنها ضد الشعب السوري. وكل سؤال يطرحه المرء يلد سؤالا آخر: هل الظروف مؤاتية لعمل سياسي معارض في سورية، وهل ما ينقص السوريين اليوم هو معارضة داخلية في ظل نظام من هذا النوع، قتل قرابة مليون سوري وهجّر أكثر من نصف الشعب في الداخل والخارج، وفي حال سمح النظام بهذه المعارضة، وأفسح لها المجال للعمل، ماذا ستفعل، هل تشارك في حياة سياسية في ظل الوضع الراهن، وبأي شروط؟
أمر مفهوم أن لا تعطل المعارضة نفسها عن العمل، وأن تبقى حيةً وتوسّع من هوامش حضورها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، ولا يحقّ لأحد مصادرة حق السوريين في العمل السياسي، أو أن يملي عليهم الأسلوب المناسب للعمل، فهم من التجربة والوعي بما يكفي، وقدّموا من التضحيات الكثير من أجل الحرية. ولكن هناك ما هو ممكن وما هو غير ممكن. والممكن الوحيد حتى اليوم في سورية هو التحرّك ضمن هامش الحرب لا الثورة. وعلى هذا الأساس، يمكن تفسير إصرار النظام على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية من دون أي اكتراثٍ بالمعارضة الدولية، وعدم الالتزام بأجندة قرار مجلس الأمن 2254، وارتكاب المجازر ضد المدنيين في محافظة إدلب.