المرأة العراقية وعيد المظلومية

11 مارس 2022

عراقية في احتجاج ضد الحكومة في بغداد (21/5/2021/ الأناضول)

+ الخط -

اعتمدت الأمم المتحدة الثامن من مارس/ آذار يوماً للمرأة، في خطوةٍ موجهةٍ، في الأساس، إلى الدول التي تعاني فيها المرأة من غياب الحقوق بشكل كلي أو جزئي. وعاما بعد آخر، يتحول هذا اليوم في الدول المتحضرة إلى ممارساتٍ رسميةٍ وشعبيةٍ وشخصيةٍ لكل أبناء هذه الدول، يعبرون من خلالها، بشكل مباشر، عن تقديرهم واعتزازهم بأدوار المرأة بكل عناوينها.

وفي العراق، البلد الذي ابتلي بمراحل عنيفة ومدمرة استهدفت كل مشروع بناء أو تطوير خلال تاريخه الحديث، على أقل تقدير، مرّت المرأة العراقية بمراحل عديدة، تطوّرت من خلالها، ومنذ إعلان الدولة العراقية بعد دخولها عصبة الأمم عام 1932؛ بدخول مجالات العمل والدراسة والقضاء والتعليم العالي والرياضة وكل أنواع الفنون والعمل السياسي، من دون أن يخلّ ذلك بواجباتها الحياتية، زوجة، وأختا، وأما، وحبيبة.

وضمِن دستور العراق قبل احتلاله حقوق المرأة، فنصّ في المادة العاشرة منه على أن "تضمن الدولة تكافؤ الفرص لجميع العراقيين، وأن من حق المرأة والرجل على الدولة توفير فرص العمل على أساس الكفاءة لكلا الجنسين"، فكانت نسبة المتعلمات تنافس الرجال، كما شُرعت قوانين عديدة لتعزيز دور المرأة ومكانتها، إضافة إلى قانون الأحوال الشخصية الذي أنصف المرأة وعالج مشكلات قانونية، كانت على حساب حقوق المرأة.

بلغ عدد الأرامل العراقيات، وبحسب سجلات وزارة شؤون المرأة لعام 2021 ثمانية ملايين أرملة، بما يشكل 65% من عدد نساء العراق

ذكرت منظمة هيومان رايتس ووتش، في تقارير عديدة لها، أن كثيرات من نساء العراق فقدن أزواجهن أو آباءهن بسبب الاعتقالات والتغييب القسري والإعدامات والاغتيالات والعنف الطائفي، ومن قبلها حرب الثماني سنوات مع إيران وحربا الخليج، حتى بلغ عدد الأرامل العراقيات، وبحسب سجلات وزارة شؤون المرأة لعام 2021 ثمانية ملايين أرملة، بما يشكل 65% من عدد نساء العراق، 35% منهن في أعمار تتراوح بين 20 - 40 عاماً، رغم تشكيك وزارة التخطيط العراقية في تلك الأرقام.

المتتبع لأحوال العراق، ومنذ الاحتلال الأميركي له عام 2003، وما رافقه من شحن طائفي ممنهج، واستهداف للأمن والاستقرار الوطني مع تصاعد التيارات الدينية الراديكالية، وانتشار المليشيات المسلحة، ومعها التنظيمات المتشدّدة التي مارست جميع الأساليب الضاغطة لإحداث الشروخ العميقة في المجتمع العراقي، كان من بين أهم إفرازاتها المباشرة تراجع دور المرأة الرائد في كل مجالات الحياة، ثم تدهور ظروف حياتها للحدود التي جعلت منها الحلقة الأضعف والأكثر معاناةً وشقاءً، بعدما جرّدت من كل وسائل الحماية والدعم سواء من الدولة أو المنظمات الإنسانية المعنية بمعالجة هذا التردّي.

ظن كثيرون أن الجانب الأميركي الذي سيّرَ مقاليد الأمور في العراق بعد الاحتلال سيكرّس الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفق النهج الغربي لهذه الحقوق، في بلدٍ لم يكن بعيداً عنها في واقع الأمر وفق المفاهيم الشرقية لها، ووجه الحاكم المدني الأميركي، بول بريمر، إلى اختيار النساء، وبنسب حدّدتها لاحقاً المادة ج من قانون إدارة الدولة للفترة الانتقالية التي تنصّ على أنه "يستهدف قانون الانتخابات تحقيق نسبة تمثيل للنساء لا تقلّ عن الربع من أعضاء الجمعية". وعلى الرغم من حصول المرأة على عدد مقاعد كبير نسبياً في مجلس النواب العراقي، المتشكّل بموجب قانون الانتخاب مع حقائب وزارية عديدة، إلا أن هذا الأمر لم يتعدّ كونه إجراءً صوريًّا ليقال، في نهاية المطاف، إن النظام الجديد منح المرأة كل هذه المكاسب، في حين كانت المرأة الحقيقية الممثلة في مدن ونواحي العراق تعاني التهميش والتذليل والتحرّش الجنسي والتزويج القسري وفقدان مصادر العيش والتمويل، ما أدّى إلى كوارث اجتماعية وتربوية خطيرة مست وما زالت البنية العميقة لأسس المجتمع السليم.

منذ أربعين عاماً والمرأة العراقية تتحمّل الكثير من العنف المجتمعي والسياسي والاقتصادي

منذ أربعين عاماً والمرأة العراقية تتحمّل من العنف المجتمعي والسياسي والاقتصادي ما لا تقوى عليه ربما أية امرأة أخرى، وما زالت تقدّم للعراق كل أنواع التضحيات، سواء بأبنائها أو بمقاومة العوز وعمليات الاستغلال التي تقوم بها قوى سياسية ومليشياوية ومحاولات تهميشهن إلى حد الإذلال، حتى كانت إحدى أيقونات ثورة تشرين عام 2019، وأحد مصابيح النشاط السياسي والإعلامي اللواتي طالتهن أيادي الغدر والاغتيال في محافظات عراقية عدة.

خلال متابعتي أحد البرامج التلفزيونية من فضائية عراقية كان مخصّصاً لموضوعة عيد المرأة العالمي، قالت إحدى المشاركات، وهي من محافظة ديالى العراقية: "عن أي عيد تتحدثون؟ ومن يحتفل به والكل مثلوم، من الأجدر أن يكون هناك يوم للمظلومية يحتفل به العالم كله من أجل مظلومية المرأة العراقية".

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن