المذبحة التي تنتظر السوريين
اذهبا وانسيا أمره، هكذا أخبرت الأجهزة الأمنية زوجة سوري وابنته، جرى ترحيله في إطار حملة تقوم بها السلطات اللبنانية ضد اللاجئين السوريين. وسبق أن حذّرت منظمة العفو الدولية السوريين من العودة إلى بلدهم لأنهم يذهبون إلى الموت، بعد أن وثّقت تقارير عديدة لمنظمات دولية وحقوقية حالات اغتصاب وإخفاء وقتل تحت التعذيب لأشخاصٍ عادوا من لبنان عبر عمليات الترحيل، أو طوعا هاربين من ظروف العيش القاسية التي يعانون منها في لبنان.
قليلة الحالات التي تجد من يُخبر عما جرى لأصحابها الذين تختطفهم أجهزة العصابة الأسدية على الحدود، إذ غالبا ما يجري احتجاز العائلة بأكملها وإخفاء أفرادها، حتى أن ذويهم لا يستطيعون لا السؤال عنهم ولا إخبار المنظّمات التي تُعنى بتوثيق هذه الحالات، وغالبا ينسون أمرهم، حتى من دون صدور توصيةٍ من أجهزة العصابة بالخصوص.
لكن الملفت هو استعار الحملة ضد اللاجئين السوريين في لبنان في هذه المرحلة، ومشاركة غالبية القوى السياسية فيها، إلى درجة وصف الحملة بـ "الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديمغرافي"، بل وصل الأمر إلى حد الحديث عن آليات لتنفيذ هذه الحملة، من نوع تشكيل لجان للدفاع عن الأحياء، ما يعني التعامل مع اللاجئين على أنهم من أشكال العصابات، وما يعنيه ذلك من قتل وسفك لدمائهم، تحت ذريعة الدفاع عن الأحياء وساكنيها!
الغريب أن الجهات اللبنانية خلف الحملة ضد اللاجئين تدرك المصائر التي تنتظر السوريين
إذا استمرّت هذه الحملة، ويبدو أن أوارها يزداد اشتعالا، فسيكون اللاجئون أمام مذبحة، إما على أرض لبنان، عبر عملية التطهير العرقي، إذ في حروب التحرير من هذا النوع لا حقوق للمستهدفين، ولا حتى قوانين حرب يجب مراعاتها تجاههم، أو أن يزحف اللاجئون صوب المعابر الحدودية لتتلقّفهم أجهزة العصابة، المتعطّشة للدم، والتي لن تجد ما يردعها من ارتكاب مذبحةٍ جماعيةٍ بحقهم، وخصوصا في ظل إطفاء الأضواء عن سورية وانشغال العالم بأزمتي أوكرانيا والسودان.
الغريب أن الجهات اللبنانية خلف هذه الحملة تدرك المصائر التي تنتظر السوريين، فضلا عن أنها تعرف تماما المآلات التي سيصل إليها تحريضها على اللاجئين في الداخل اللبناني، ما يدفع إلى التساؤل عن الأهداف التي يخفيها هؤلاء من حملتهم أو التي يقصدون الوصول إليها، رغم أنهم يضعون السلم الأهلي في لبنان على فوّهة الخطر!
الملاحظ أن هذه الحملة تتزامن مع تعقّد عملية انتخاب رئيس للبنان، وإصرار الثنائي الشيعي على ترشيح سليمان فرنجية، الذي هو بدوره مرشّح "محور المقاومة"، الأمر الذي يجعل إثارة قضية اللاجئين في هذا التوقيت والسياق الإشكالي والمتوتر في خانة الأوراق التي تلعبها الأطراف اللبنانية في لعبة الرئاسة، فرنجية نفسه كشف عن سرّ ما يجري، بتأكيده أنه وبما يملكه من علاقة وطيدة مع بشار الأسد وحزب الله يستطيع إعادة السوريين إلى بلادهم.
ما كشفه فرنجية، من دون قصد، أن الأسد وحزب الله هما من يعقّدان مسألة عودة اللاجئين السوريين في لبنان، وإذا كانت أهداف حزب الله من هذا واضحة، بسبب سيطرته على أجزاء واسعة من الشريط الحدودي، القصير وقراها وصولا إلى ريف دمشق الغربي، الزبداني وبلودان ومضايا، فضلا عن مناطق واسعة في القلمون، ومن شأن عودة سكان هذه المناطق التأثير على مخطّطاته في تحويلها إلى مراكز لزراعة المخدّرات وتصنيعها، بالإضافة إلى جعلها مستودعاتٍ لتخزين الأسلحة القادمة من إيران، لصعوبة إخفائها في لبنان.
جرّب الأسد حدود غضبة المجتمع الدولي، أميركا والغرب، ولن يخرج غضبهم عن نطاق التصريحات
أما الأسد فهو في الأصل لا يريد لأحد العودة من لبنان، فهؤلاء، وعلى مدى سنوات النزوح، كانوا خارج نطاق دعايته السياسية عن المؤامرة الكونية والصمود والانتصار، بل إنهم يعرفون الحقيقة الصادمة، ومن المؤكّد أنهم عاقروا معلوماتٍ كثيرة عن الحرية والعيش، بعيدا عن الاستبداد، فهؤلاء أعداء مكتملو المواصفات "وعي الاضطهاد ووعي الحرية"، أو أعداء نائمون للحظة مقبلة، إن لم يُظهروا اليوم أي سلوك معاد فإنهم جاهزون للانخراط بأي لحظة في حال اشتعلت الأمور.
هو أيضا لا يريد عودتهم لأنهم يُفسدون مخطّطه في التجانس، ويعبثون بالميزان الديمغرافي الذي صمّمه على مقاساته، بل هو يراه لا يزال راجحا لصالح أعدائه، ويرغب بشطب كتل منه وإخراجها حتى يحقق التوازن، كما أن هؤلاء، وأغلبهم من غوطة دمشق وحمص ودرعا، سيشكلون إضافة لخصوم الأسد في المناطق التي تقع في صلب مخطّطاته الإخضاعية، والتي شكلت حواضن للثورة ضد نظامه في السنوات السابقة.
لا يوجد ما يردع الأسد عن ارتكاب المذابح بحق هؤلاء، بعد أن بات مقتنعا أن العرب أسقطوا عنه كل الجرائم السابقة، ولن ينزعجوا من جرائم جديدة سيرتكبها، وهم عائدون إليه حتى لو أباد سورية بأكملها، فالقرار اتخذوه، ولا عودة إلى الوراء، ولا يوجد ما يردع الأسد، فقد جرّب حدود غضبة المجتمع الدولي، أميركا والغرب، ولن يخرج غضبهم عن نطاق التصريحات، وربما عقوبات على بعض المسؤولين لن تغيّر شيئا في الواقع.
على مدار السنوات السابقة، كان السوريون دوما في قلب المذبحة، والعالم يسمع حكاياتها وحكاياتهم. العالم اليوم يسوق السوريين إلى المذبحة، حتى بدون إبداء أي نوعٍ من الأسف، فيما العرب لن يرسلوا لهم حتى الأكفان، حتى لا تتأثّر روايتهم عن ضرورة احتضان الأسد لحماية الشعب السوري. انسوا أمرهم.