المبعوثون الأمميون إلى اليمن
توقف المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث عن بثّ أجواء تفاؤل مزيفة بخصوص احتمال التوصل إلى اتفاقٍ لإنهاء الحرب في اليمن قريباً. ببساطة، لم يعد بحاجة لتجميل الحقائق وتزييف الوقائع، وهو يستعد لمغادرة منصبه بعد اختياره منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية. لذلك خلت إحاطته التي يفترض أنها الأخيرة أمام مجلس الأمن، ما لم يحدُث تأخيرٌ في تعيين خليفة له، من أي مسكّنات. قدّم غريفيث ما يشبه كشف حسابٍ سريعاً، أراد من خلاله إخلاء مسؤوليته عن تعثّر جهود إنهاء الحرب اليمنية بمآسيها كافة، خصوصاً على الصعيد الإنساني. تحدّث بشكل خاص عن مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار في الآونة الأخيرة، مشيراً إلى إدخال تعديلاتٍ عدّة عليه، لكنه ربط التعثر بغياب الإرادة السياسية لدى أطراف الحرب. ولم يغفل التوقف عن وضع مأرب التي رفع الحوثيون مع بداية شهر رمضان شعار "لنصومن غداً في مأرب ولنفطرن بتمرها"، من دون أن يتحقّق لهم ذلك، في ظل اشتداد المعارك في هذه المحافظة الاستراتيجية، والتي تستميت الجماعة لوضع يدها عليها، بهدف إحكام سيطرتها على مناطق شمال اليمن.
إذاً، يستعد غريفيث، بعد ثلاث سنوات من بدء مهمته، للمغادرة، وفي جعبته قليل من الاختراقات وكثير من الانتقادات والاتهامات له بمحاباة الحوثيين. طبعاً، ليست المشكلة أن المبعوث الأممي لم يسع إلى إنهاء الحرب، بل حاول، لكن المعضلة أنه فشل أيضاً كمن سبقاه. هذا الفشل هو نتيجة حتمية لواقع الحرب في اليمن ومسبّباتها والأطراف الفاعلة فيها.
منذ أول مبعوث أممي إلى اليمن، جمال بن عمر، مروراً بإسماعيل ولد الشيخ أحمد، وصولاً إلى غريفيث، بدت المهمة الأممية في اليمن فضفاضة، تدور في حلقةٍ مفرغةٍ، وتحدُث في وقت ضائع. لم تكن المشكلة في هوية المبعوث، ومدى إلمامه بظروف هذا البلد وتعقيداته. المعضلة كانت، وستبقى حتى اللحظة الأخيرة التي ستتوقف فيها أصوات المدافع والرصاص، مرتبطة بمصالح الأطراف المنخرطة في الحرب وحساباتها.
وليس مبالغة القول إن جماعة الحوثيين بدت الطرف الأكثر تعنّتاً وصلفاً في التعامل مع جميع المبعوثين الأمميين والمبادرات على عكس الشرعية. ليس لأن الأخيرة أكثر رغبةً في إنهاء الحرب، بل لأنها ببساطة قابلة للتطويع عند الحاجة. أما الحوثيون فعملياً اعتمدوا، منذ اليوم الأول لاجتياح العاصمة اليمنية صنعاء، وبدء تمردّهم في 2014، على استراتيجية المفاوضة بالنار. فكلما كان أي احتمال لتوافق سياسي يلوح في الأفق، كانت الجماعة تطلق معارك جديدة، أو تفتح جبهات إضافية، وهي في ذلك التلميذ النجيب لإيران.
مخطئ من يظن أن الحرب في اليمن ستنتهي عندما يتم التوصل إلى اتفاقٍ بين الحوثيين والحكومة اليمنية. ستصمت أصوات المدافع، وتتوقف الصواريخ والطائرات المسيرة، فقط عندما تصل المفاوضات السعودية الإيرانية إلى خواتيمها.
أجرت السعودية مراجعة لحساباتها، وباتت أكثر ميلاً لخيار الخروج من المستنقع اليمني الذي غرقت فيه، بعدما فشلت في تحقيق أيٍّ من أهداف الحرب. وترجم ذلك سريعاً باتخاذ الرياض، في الآونة الأخيرة، مواقف أكثر انفتاحاً بشأن الحوثيين وإيران، قبل أن يتبين أنها ناتجة عن بدء المباحثات السعودية الإيرانية. وما تسرّب منها حتى الآن يشير بوضوح إلى لعبة المقايضة القائمة، لا سيما بعدما وعدت طهران الرياض بـ"استخدام نفوذها" لوقف هجمات الحوثيين على السعودية.
وحدها جولة المباحثات السعودية الإيرانية إذا ما كُتب لها النجاح، ولو بعد حين، من شأنها أن تكون المفتاح لنهاية الحرب، أما فشلها فسيقود حتماً إلى استعار هذه الحرب، من دون أن تكون للمبعوث الأممي، أياً كانت هويته، قدرة على تغيير الواقع، سلباً أو إيجاباً.