اللعب بالدين في ملاعب الكرة المصرية
ظلت كرة القدم تُلعب في مصر من دون جماهير، أكثر من عشر سنوات، خشية خروج حالة التعصّب المجنون عن السيطرة الأمنية على نحو قد تتكرّر معه تلك المذبحة البشعة التي شهدها ملعب مدينة بورسعيد في العام 2012.
حالة التعصب إلى حدود الهوس تشتعل بين جماهير الناديين الكبيرين، الزمالك والأهلي، الأمر الذي تحوّلت معه الملاعب في أثناء إقامة المباريات إلى صحاري مقفرة، لا حياة فيها، نظرًا إلى تغييب العنصر الأول والأهم في اللعبة، وهو الجمهور، الذي لم يسمح له بالحضور بأعداد محدودة للغاية، إلا منذ العام الماضي فقط.
تتّخذ حالة التعصّب أطوارًا أخرى مناطقية، إلى درجة أن بورسعيد لم تشهد ملاعبها مباراة واحدة في كرة القدم منذ العام 2012، وعقب المجزرة التي أودت بحياة عشرات من جماهير النادي الأهلي القاهري ضد فريق النادي المصري البورسعيدي، كما تم حرمان مدينة الإسماعيلية المجاورة من إقامة مباريات فريقها (الإسماعيلي) على ملعبها سنوات عدة. الشاهد في ذلك كله أن جنون كرة القدم أوجد مناخًا من الاحتقان الجماهيري المخيف، حتى باتت فتنة الأهلي والزمالك مسألة تهدّد السلام الاجتماعي بين المصريين، ومن ثم لم يتقرّر بعد السماح للجماهير بحضور المباريات بشكل كامل.
في هذا المناخ المشبع بأبخرة التعصّب، تأتي الأنباء عن الاستعداد لتدشين أول نادٍ كنسي في القاهرة، حيث أعلنت الصفحة الرسمية لكنائس وسط القاهرة عن فتح باب التقديم لأول فريق لكرة القدم يتبع الكنيسة التي بدأت حملتها الترويجية بصياغة تقول "تحت رعاية وإشراف نيافة الحبر الجليل الأنبا رافائيل تتشرف إدارة النادي بالإعلان عن فتح باب التقدّم لاختبارات القبول للانضمام لصفوف فرق كرة القدم بالنادي، والذي سوف يخوض مباريات الدوري العام المصري لكرة القدم بالدرجة الرابعة".
قال أحد القيادات الكنسية لقناة فضائية مسيحية إنه تم تخصيص قطعة أرض مجاورة لدير وادي النطرون بمحافظة البحيرة، وأن الكنيسة استقبلت وزير الشباب والرياضة، وقدّمت له الأوراق اللازمة لطلب التأسيس، وتنتظر الآن الحصول على الموافقة الرسمية من الجهات الأمنية. وأعلن القس جرجس شفيق، مسؤول نادي عيون مصر أنه: "تصحيحًا لمفاهيم خاطئة وصلت للبعض بعد نشر إعلان فتح باب القبول لفرق نادي عيون مصر؛ فيجب مراعاة أن النادي ما زال تحت التأسيس، وأن النادي لكل المصريين، المدربون والإداريون العاملون مصريون مسلمون ومسيحيون، واللاعبون مصريون مسلمون ومسيحيون".
ينطلق المتحمّسون للفكرة والمندفعون إلى البدء في الخطوات التنفيذية من أن هناك غبنًا يقع على الشباب المسيحيين الذين يتقدّمون لاختبارات القبول في الأندية الشعبية، حتى باتت فرق الكرة تكاد تخلو من أسماء لاعبين مسيحيين، نتيجة التعصّب الطائفي لدي المتحكّمين في قرارات الاختيار بالأندية. ولذا تحلّ القيادات الكنسية المعضلة على طريقتها بتأسيس نادٍ للكنيسة يفتح أبوابه للمسيحيين والمسلمين، من دون تمييزٍ مثل الذي يعاني منه المسيحيون في الأندية.
هذا التمييز الطائفي البغيض يتحدّث عنه كثيرون منذ سنوات، غير أن علاجه يتطلب احترامًا لازمًا بالدستور وإعمالًا للقانون، وليس إلى حلول هي الأخرى طائفية. هكذا يقول المتخوّفون من فكرةٍ كهذه، أو خطوةٍ كهذه بدأت بالفعل، ومنهم شخصيات مسيحية ترى في إنشاء نادٍ كنسي لعبة خطرة في بلدٍ لا يحتاج مزيدًا من عوامل الاحتقان والتعصّب.
يقول واقع الحال إن دولة تجد صعوبة هائلة في كبح جماح التعصّب الجغرافي بين الأندية، وصعوبات أكبر في السيطرة على الاحتقان بين جماهير الأهلي والزمالك، لا يمكن، بالبداهة، أن تسكب كميات إضافية من وقود التعصب، الديني والطائفي، أيضًا على لعبة محظور على الجماهير حضورها منذ أكثر من عقد.
دولة تدّعي أنها تحارب إقحام الدين في السياسة، وتمنع قيام الأحزاب الدينية، حين تسمح بإنشاء أندية وتكوين فرق كرة قدم ذات مرجعية دينية، طائفية، فإنها تكون كمن يلعب بالنار ويغمر أرضيات الملاعب بكمياتٍ مرعبةٍ من مواد الاشتعال الطائفي، ويلهو بأعواد الثقاب، غير مدرك لعواقب ما تفعل.
من يوقف هذا العبث؟