اللاجئون السوريون والطريق إلى أوروبا
يبدو أن سوء الأحوال التي يعيشها اللاجئون السوريون في بعض دول الجوار، كما هو الحال في تركيا ولبنان، لا نهاية له. بل يستفحل أكثر تبعا للأزمات المحلية والدولية، ويتطوّر إلى اعتداءات تصل إلى القتل المنفلت، والممنهج أحيانا، ومثال ذلك الشاب بشار عبد السعود الذي قضى في مطلع شهر سبتمبر/ أيلول الحالي تحت التعذيب على يد جهاز أمن الدولة اللبناني. وكلما اشتدّت الأزمات الاقتصادية والسياسية في بلدان اللجوء، زادت الضغوط على اللاجئين الذين باتوا ملفا مفتوحا على الصراعات السياسية داخل هذه البلدان. وكثيرا ما لعبت الأطراف المختلفة هذه الورقة، من أجل تصفية حسابات فيما بينها، وتحقيق مكاسب انتخابية. ووسط هذه المأساة الإنسانية، هناك حجّة مكرّرة تقدّمها الحكومات، بالتلطّي وراء الأزمات الاقتصادية التي تفاقمت في العامين الأخيرين، بسبب تداعيات وباء كوفيد - 19، وحرب روسيا على أوكرانيا. ومع أن هذه الحجّة تحمل قدرا معقولا من الوجاهة، إلا أنه لا يمكن أن نسقط من الحساب العنصرية والضيق بالآخر. ولو كانت القضية تتعلق بما يتكبّده البلد المضيف من أعباء مادية، لوجدنا أن الأردن يشكو أكثر من غيره، فطاقة اقتصاده على التحمّل لا تختلف كثيرا عن نظيره اللبناني، بل هو أقل قدرة بكثير من الاقتصاد التركي على امتصاص الآثار التي تتسبّب بها الهجرة الأجنبية، ولا يستفيد من وجود اللاجئين السوريين، بالقدر الذي يجنيه الاقتصاد التركي من دخول السوريين في سوق العمل وميادين الاستثمار، فالسوري العادي يمثل يدا عاملة رخيصة في تركيا، تستفيد منها قطاعات عديدة من الاقتصاد التركي. وفي ظل تحايل بعض المؤسسات على القوانين، يتم تشغيل أعداد كبيرة من العمّال السوريين، يتقاضون أجورا أقل بكثير من التي يحصل عليها العامل التركي، ويصبح هؤلاء عرضة للابتزاز والمعاملة السيئة، وساعات العمل الطويلة والحرمان من الضمان الصحي والاجتماعي. أما حضور السوريين في الاستثمار التركي فقد شكّل قيمة مضافة، ومشهود له من الأوساط الرسمية وغير الرسمية.
الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين في الخارج هم من المؤهلين للعمل، وليسوا عالةً على الدول المستضيفة، بالإضافة إلى أن هؤلاء يتلقون مساعداتٍ دولية تكفي لسد جزءٍ من احتياجاتهم، ولكن مسألة اللجوء الأوكراني جاءت كي تحدّ من المساعدات الدولية للاجئين السوريين، وحسب المفوضية السامية للاجئين صارت الأولوية للاجئين الأوكرانيين الذين يتراوح عددهم في أوروبا بين ستة ملايين وثمانية ملايين لاجئ. وفي هذه الحالة، لا يكون علاج الأمر بالتضييق على اللاجئين السوريين وإطلاق حملات إعلامية ضدهم، تفتح المجال أمام الأوساط العنصرية لممارسة التحريض، الذي يقود إلى القتل ويبرّره على نحو مكشوف. ولا يخفى أن الضغوط على اللاجئين السوريين تتم أحيانا لأسبابٍ سياسية، منها ما يتعلق بتقديم الدعم للنظام السوري، كما هو الحال في لبنان الذي لعب هذه الورقة، لكن محاولاته لم تنجح وتحقّق المطلوب منها. وهناك التوظيف السياسي لأسباب محلية كما هو جار في تركيا منذ عدة سنوات، وقد بدأت ذلك المعارضة على نحو صريح في الانتخابات البلدية عام 2019، وصارت الأحزاب تحسب لذلك حسابا، وتخشى أن تؤدّي حملات المعارضة ضد اللاجئين السوريين مفعولها، وتترجم بخسارتها جزءا من رصيدها في الانتخابات التشريعية والرئاسية في يونيو/ حزيران المقبل.
وعلى اعتبار أن الحل السياسي في سورية بعيد، والفصائل العسكرية المعارضة مشغولة بالتهريب إلى مناطق النظام، و"الائتلاف" غائب كليا، ونظرا إلى أن العالم عاجز عن تحمّل مسؤولياته الأخلاقية وتخاذل عن القيام واجباته، وحتى لا يستمر هذا الوضع السيئ والمأساوي، فإن الحل الوحيد هو رفع الحواجز من أمام اللاجئين السوريين، وفتح أبواب الهجرة الجماعية إلى أوروبا، القادرة وحدها على تحمّل آثار استقبال عدة ملايين مهدّدين بالشقاء التام.