الكويت بعد عودة برلمان منحلّ

22 مارس 2023

نواب كويتيون يصلون إلى جلسة لمجلس الأمة في العاصمة الكويت (25/1/2023/ فرانس برس)

+ الخط -

يطرح حكم المحكمة الدستورية في الكويت، الذي أصدرته في 19 مارس/ آذار الحالي، بطلان انتخابات مجلس الأمة (البرلمان) في 29 سبتمبر/ أيلول 2022، وعودة المجلس المنحلّ إلى ممارسة صلاحياته التشريعية، أسئلة عما إذا كان هذا الحكم فصلاً جديداً من فصول الأزمة السياسية، التي تعصف بالكويت منذ سنوات، أم أنه يشكّل بداية نهايتها؟

يظهر حكم المحكمة، للوهلة الأولى، وكأنه استعادة لما حدث في عام 2012، عندما أبطلت المحكمة نفسها انتخابات مجلس الأمة الذي سيطرت عليه تيارات من المعارضة في ذلك الوقت، وأعادت المجلس الذي حلّه أمير الكويت السابق، صباح الأحمد الصباح، بعد توتّر العلاقة بين الحكومة والمجلس. ويمكن اعتبار الحكم كأنه تصحيح لوضع غير قانوني ساد في أقلّ من ستة أشهر، وعودة إلى البرلمان السابق بكامل هيئته، كي يمارس نوابه دورهم فيه من جديد، إلا أنه، في الوقت نفسه، يعيد إلى الأذهان فصول أزماتٍ متتالية عاشتها الكويت، على خلفية الصراع بين الحكومة التي يعيّنها أمير البلاد (أو نائبه ولي العهد) والبرلمان المنتخب مباشرة من الشعب، والتي لم تبدأ منذ انتخابات مجلس الأمة الـ 16 في ديسمبر/ كانون الأول عام 2020، الذي ترأسّه السياسي ورجل الأعمال مرزوق الغانم، بل تمتد إلى صراعات عرفتها فتراتٌ سابقة بين الحكومة والمجلس، وأفضت إلى حلّ عشرة مجالس من أصل 16 مجلساً عايشها الكويتيون منذ المجلس التأسيسي الذي انتُخب في عام 1962.

يبدو جلياً أن المشكلة تكمن في حيثيات الأزمة السياسية ومسبّباتها، المنبثقة عن الخلافات المستمرّة بين السلطتين، التشريعية والتنفيذية، وهو ما شكّل عامل تعطيل لمسار العمل على مختلف المستويات في الكويت. إضافة إلى الانقسامات والصدامات بين أعضاء المجلس نفسه. ولم تحلّ كل هذه الإشكالات، على الرغم من التغير المتكرّر لرئاسة كل من الحكومة والمجلس وأعضائهما.

من غير المرجّح أن تساهم عودة مجلس الأمة السابق في حل الأزمة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في الكويت

يضاف إلى ما سبق أن حكم المحكمة الدستورية بعودة المجلس السابق لممارسة صلاحياته، جاء في ظل عدم وجود أي تغير في مسبّبات الأزمة، وبقاء الأشخاص أنفسهم، فالحكومة القائمة حالياً، ويرأسها أحمد نواف الأحمد الصباح، هي نفسها التي جرى حلّ مجلس الأمة، في اليوم التالي لتشكيلها في أول مرّة، وشكل ذلك الحيثية التي استندت إليها المحكمة الدستورية في حكمها، لأنها اعتبرت مرسوم حل مجلس الأمة انتابه "عوار قانوني"، يتجسّد في عدم معقولية سبب الحل، على اعتبار أن الحكومة تشكلت في 1 أغسطس/ آب 2022، وصدر مرسوم حل مجلس الأمة في 2 أغسطس/ آب، لذا لم يكن منطقياً أن تنشب خلافات أو توترات في علاقة الحكومة بالمجلس في الساعات بين تشكيلها وقرار حل المجلس. وعليه، يبطل هذا العوار القانوني قرار حل المجلس، بحسب المحكمة الدستورية.

في المقابل، المجلس العائد، وفق حكم المحكمة، هو الذي كانت تتقاذفه الصدامات والخلافات، بالنظر إلى أن أعضاءه ينتمون إلى تيارات مختلفة ومتعارضة أيديولوجياً، إضافة إلى الانقسام بين غالبية أعضائه ورئيسه الذي لا يحظى بدعم أغلبية كبيرة من النواب، لذلك لم تتغيّر حيثيات الأزمة ومسبّباتها، وربما قد تتفاقم في ظل كل هذه المؤشرات. وهذا لا يعني أن المجلس الذي أبطلته المحكمة الدستورية، برئاسة أحمد السعدون، كان في حال أفضل، فأغلبية أعضائه ينتمون إلى الإخوان المسلمين والسلفيين والشيعة والمستقلين المعارضين، ولم تخل سيرته من التأزيم، وسبق أن توعد ولي العهد، مشعل الأحمد الجابر الصباح، أعضاءه في أكثر من مناسبة باتخاذ إجراءات متشدّدة إزاء عدم تعاونهم.

مجلس الأمة العائد وفق حكم المحكمة الدستورية كانت تتقاذفه الصدامات والخلافات

يبدو أنه من غير المرجّح أن تساهم عودة المجلس السابق في حل الأزمة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في الكويت، نظراً إلى الصدامات المتكرّرة التي عرفها بين غالبية أعضائه ورئيسه، إضافة إلى عدم انسجام رئيس الوزراء الحالي مع غالبية أعضاء المجلس المستعاد، ما يعدّ مؤشّراً على احتمال تجدد الصراع بين الحكومة والمجلس في المرحلة المقبلة، وبشكل يفضي إلى استمرار عدم التعاون بين السلطتين، التنفيذية والتشريعية، لإنجاز برامج عمل تسهم في إنجاز حزمة من المشاريع التنموية التي تحتاجها الكويت، في وقتٍ تشهد فيه أزمات اقتصادية وسياسية، وعدم تحقيق ما تضمّنه خطاب ولي عهد الكويت، الذي ألقاه نيابة عن أمير البلاد في 22 يونيو/ حزيران 2022، وانتقد فيه تفاقم الخلافات والصراعات التي تهدّد الوحدة الوطنية، ودعا إلى ضرورة وضع حجر الأساس لعهد جديد، يرتكز إلى احترام الدستور وعدم خرق أحكامه، والابتعاد عن المشاحنات الطائفية أو القبلية الجهوية، وكذلك الشعارات والسلوكيات التي تهدد الوحدة الوطنية.

تاريخياً، عرف المشهد السياسي في الكويت خلافات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بسبب الاختلاف بين التيارات السياسية على ملفات عدة، وأفضى ذلك إلى توترات وصدامات بينهما، وإلى استجوابات لوزراء؛ الأمر الذي استوجب تدخّل أمير البلاد، في أكثر من مناسبة، بإصدار مراسيم لحل إحدى السلطتين تجنباً لتفاقم الأزمة. وعلى المستويين، الإقليمي والدولي، لجأت الكويت إلى الحياد الإقليمي، والابتعاد عن النزاعات والمواقف الشعبوية، ما أدّى إلى تمتّعها بمساحة واسعة للحرية، لكن الأمر اختلف كثيراً في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد صعود تيارات الإسلام السياسي، السنية والشيعية، المتشددة، التي عمدت إلى التهجّم على نظام الدولة، والتحالف مع القبائل، لفرض أجنداتها على الدولة والمجتمع، ولاقت تجاوباً من دوائر في الحكم، ضمن صراع الأجنحة ومراكز القوى، لكنها وظفت ذلك من أجل إلغاء حفلات موسيقية، والفصل بين الجنسين في الأماكن العامة، وسوى ذلك.

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".