الكاظمي وحتمية الصدام مع الحشد الشعبي
قال رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، في الثاني من يونيو/ حزيران الجاري، "هناك مَن حاول جرَّ البلاد إلى المجهول خلال أحداث الأسبوع الماضي، وتم التعامل معها بحكمة، وأنه انطلاقاً من مبدأ الحفاظ على المصلحة العليا للبلاد، والحرص على جميع أبناء الشعب، تم تثبيت منطق الدولة وآليات ٳنفاذ القانون وفق الأسس الدستورية". وشكا من "قلة الدعم السياسي وقلة الأدوات الفاعلة في الوزارات التي يجب أن يكون هناك عمل لتطويرها". وجاء تصريح الكاظمي هذا بعد توتر واستعراض للقوة، أظهرته مليشيات تابعة للحشد الشعبي، ربما لم يكن الأول، لكنه الأكثر خرقاً لضوابط العمل العسكري والأمني، وحتى السياسي، بين من يمثل السيادة وقيادة القوات المسلحة ورئاسة الوزراء، وبين تشكيلاتٍ يفترض أنها تحت أمرته، وملزمة قانوناً بتنفيذ ما يطلبه منها؛ حيث توجهت قوات من "الحشد" إلى المنطقة الخضراء، قلب النظام السياسي في العراق، في سعي منها إلى الضغط على الكاظمي، لمنعه من المساس بأي قيادي من "الحشد" على خلفية القبض على قائد عمليات الأنبار للحشد الشعبي، قاسم مصلح، في الشهر الماضي (مايو/ أيار) بتهمة علاقته بعمليات اغتيال ناشطين في الحراك الجماهيري ومجالات حقوق الإنسان.
شهد سكان بغداد أسبوعاً حافلاً بالتوتر، واستعراضاً للقوة العسكرية لفصائل ومليشيات لوّحت بالسيطرة على المنطقة الخضراء وإزاحة الكاظمي، وبين قطعات نظامية للجيش العراقي، حتى إن مراقبين غربيين توقعوا، وما زالوا، حدوث حربٍ أهلية في العراق، بسبب سقوط حاجز الهيبة لدى قيادات الحشد الشعبي ومنتسبيه تجاه القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء، واتهامه بـمحاولة إعادة العراق إلى "الدكتاتورية"، وتجنباً للموقف المحرج للقيادات العسكرية النظامية في العراق، بعد إحاطة قوات من "الحشد" بالمنطقة الخضراء، قال وزير الدفاع، جمعة عناد، "يجب عدم السماح بتكرار ذلك مهما كان الثمن".
قيادات الأحزاب والتيارات التي تمتلك القوة الضاربة في "الحشد" لا تريد أن تسمح للكاظمي أن يمرّر برنامجه الخاص بالانتخابات النيابية
العراق "فوق صفيحٍ ساخن"، وقد تكون عملية القبض على قاسم مصلح من الحجج التي تمثل واحدة من واجهات الصراع ومراقبة الأداء من "الحشد الشعبي" تجاه الكاظمي، ذاك أن قيادات الأحزاب والتيارات التي تمتلك القوة الضاربة في "الحشد" لا تريد أن تسمح للكاظمي أن يمرّر برنامجه الخاص بالانتخابات النيابية في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وهي تعلم أن هناك حراكاً جماهيرياً رافضاً لتدوير إعادة هذه الأحزاب والتيارات إلى واجهة النظام السياسي والتشريعي في العراق. وقد توقع القيادي في الحزبِ الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري، "صيفاً سياسياً ساخناً جداً في العراق، مع بروزِ جهاتٍ تسعى إلى تأجيلِ الانتخاباتِ المقبلة". وقد تلفت إشارة زيباري إلى أن أبرز المؤشّرات الإيجابية للانتخابات المقبل في العراق "تجاوز نسبة التسجيل البايومتري 75%، ما يعني مشاركة شعبية واسعة"، فإذا ما نجح الكاظمي في سعيه من أجل إزالة (أو تخفيف) التحدّيات الكبيرة التي تقف بوجه إجراء هذه الانتخابات، كالتزوير والسلاحِ المنفلت واستخدام المال السياسي وغيرها، فإن ذلك يعني تضاؤل فرص عودة الأسماء والكتل الكبيرة إلى الواجهة، بحكم أصوات الناخبين.
يضاف إلى ذلك أيضاً حجم التنسيق بين الرئيس العراقي، برهم صالح، ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، مع رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوصي، وهو ما يظهر من خلال نشاط صالح الدؤوب لتحريك الأوضاع في العراق، بما يخرجه، ولو تدريجياً، من دائرة التخلف والفساد والمديونية والفلتان الأمني، فهو ساهم، إلى حد كبير، في التهيئة لقانون الانتخابات الجديد، كما قدّم لمجلس النواب العراقي مشروع قانون "استرداد عائدات الفساد". ولعل الجميع في العراق يعلم من هم كبار الفاسدين والشبكات التي يديرونها داخل البلاد وخارجها.
الصدام أو محاولة إسقاط وزارة الكاظمي، بكل الوسائل المتاحة، حتمي
الصراع القائم في العراق بين دول إقليمية وعالمية، ممثلاً بأطرافٍ موالية لهذه الجهة أو تلك، يجعل من الصدام أو حتى محاولة إسقاط وزارة مصطفى الكاظمي، بكل الوسائل المتاحة، أمراً حتمياً وبنسبة عالية جداً، وهو يعلم ذلك. لذلك يحاول أن يشير، في أكثر أحاديثه، إلى أن وزارته جاءت لتنفيذ مطالب شعبية والتهيئة لانتخابات مبكرة، بما يعني اتكاءه على الشرعية الدستورية والتيارات الشعبية المعارضة للمليشيات المنفلتة والمؤتمرة بإمرة دول إقليمية عبثت كثيراً بأمن العراق، ومقدّراته السياسية والاقتصادية، فيما لا تكترث هذه المليشيات بما توصف به، بل تعتبره "شرفاً عقائدياً لها"، وأن التعرّض والمساس بكياناتها التي تمتلك المال والسلاح، وعديد من المقاتلين شديدي الولاء لقادتهم، يعنيان حرق الأرض بأخضرها ويابسها، وهو ما يدفع المحليين إلى توقع الحرب الأهلية في العراق.
يحاول الكاظمي، بهدوئه الذي عُرِف به، الحفاظ على قيادات الجيش والأجهزة الأمنية، والتي لا تشكل قوة محايدةً بشكل قاطع، وربما تكون إحداها من سيجبر الكاظمي على التنحّي أو الاستقالة أو (..). لذلك عليه أن يضع رهانه الأساس على الشعب بكل طوائفه وأعراقه، وأن ينزل إلى الشارع وحتى التظاهرات، وأن يمنح القوى المطالبة بالإصلاح الأمان وحرية التعبير وحماية الناشطين. وعليه، وكذلك أن يوقع القصاص بمن قتلوا العراقيين وأفسدوا، ونشروا الرذيلة والجريمة. حينذاك يمكن أن يكون ظهره مستنداً إلى قوة كبيرة لن تستطيع مليشيات أن توقفها. ولنا في تجربة انتفاضة أكتوبر 2019 مثال ساطع، إذ رأى الجميع مآلات أكبر المليشيات عدداً وعدةً وعقيدةً، عندما أحكم المنتفضون قبضتهم على محافظات جنوب العراق بصدورٍ عارية.