13 نوفمبر 2024
الكارثة من المنبع حتى المصب
كم مترًا مكعبًا من دماء المصريين أهدر عبد الفتاح السيسي، وكم مترًا من مياه النيل وفرها وحافظ عليها، خلال ست سنوات، منذ صعوده الإجرامي إلى قمة السلطة؟
قتل السيسي حتى يصل إلى الحكم، ووصل إلى الحكم حتى يقتل.. تلك هي المسألة باختصار، فالذي يريق دماء شعبه بهذه السهولة ليس معنيًا على الإطلاق بالدفاع عن المياه التي تحفظ حياة هذا الشعب، ذلك أن قطرة الدم عنده أرخص من قطرة الماء، فكيف تتوقع ممن أسس جمهورية الدم أن يكون حريصًا على النيل.
دخل السيسي مفاوضات سد النهضة ملطخًا بدماء المصريين، فعرف الطرف الآخر أنه أمام شخصٍ على استعداد لتقديم كل شيء حتى يستتب له الأمر، فلم يكن الجانب الإثيوبي بحاجة إلى ممارسة ضغوط أو مناورات، فالذي يفاوضهم جاء بلا أوراق، وبلا أدنى قدرةٍ على الممانعة. فقط يمتلئ برغبة عارمة في أن يكون حاكمًا لشعبٍ يحارب بعضه بعضًا، وينقسم كما لم يحلم ألد أعدائه، فوقع الجنرال على كل المطلوب منه، وأقام احتفاليةً مبتذلةً بالإذعان والتفريط.
ذهب إليهم السيسي بوصفه حاكمًا لدولةٍ انفصلت عن مدارها الحضاري، ولم تعد تعرف الحد الأدنى من الكرامة الوطنية، إذ لم نسمع عن رخص وانحطاط كهذين إلا مع نظامٍ يباهي بأنه دمية في أيدي صغار اللاعبين فوق رقعة التاريخ والجغرافيا.
ذهب مفاوضًا باسم البلاد التي تحوّلت من الدولة إلى شبه دولة تغوص في مستنقعات الدماء، لا هي تطفو، ولا هي تستقرّ في القاع، إذ تتخبّط عشوائياً في واقع هش، لم تنجح الصور اللامعة والمهرجانات الفاقعة في تجميله.
لم يعرف التاريخ دولةً تخوض معاركها المصيرية، وتدافع عن وجودها وهي منقسمة على ذاتها، وتستعدي نص شعبها على النصف الآخر، وتستعين بأعدائها لإخضاع بعض أبنائها وإفنائهم، وتشن حربًا مسعورة على صفوة عقولها، في السياسة والاقتصاد والعسكرية والثقافة.. دولة تهدر كل مواردها في الإنفاق على الرداءة والقبح.
النيل بالنسبة للسيسي هو المكان الذي تخلص فيه من جثث ضحايا أولى مذابحه، بعد أن أدار بنفسه مقتلة المسيحيين أمام مبنى ماسبيرو في مثل هذه الأيام من أكتوبر/ تشرين أول 2011، ليفيق المصريون على بحيرة دماءٍ تلامس حافة النهر الذي طفت على مياهه جثث القتلى بعد أيام من المجزرة.
النيل هو ممرّ السيسي المائي لافتراس جزيرة الوراق، وتدمير منازلها وتهجير سكانها، بالقوة المسلحة، كي يخلو له المكان لإقامة مشروعاته الإماراتية، تمامًا كما كان وسيلته للحصول على اعتراف أفريقي بسلطة انقلابه، حتى ولو كلفه ذلك أن يجرّ عربةً يعتليها نتنياهو لفتح أفريقيا، في زيارةٍ وصفتها دوائر السياسة الصهيونية بأنها تاريخية.
قلت سابقًا إن النيل لو نطق لصرخ فينا إنه لا يصدق هذه المناحة المنصوبة بمناسبة تحويل إثيوبيا مجراه وإقامة سدود تمنع تدفقه بكامل عافيته إلينا.. سيقول لنا إن من لا يحمى النهر من جرائم الداخل لن يكون في مقدوره حمايته من مخططات الخارج الخطرة، لأننا بأيدينا ارتكبنا جرائم فى حقه أكبر بكثير من توجهات إثيوبيا.
باختصار، لن يحسب الإثيوبيون حسابًا لمصر في مشروع سد النهضة، ما دامت مصر منقسمة إلى مصريْن وشعبيْن متحاربيْن، وهي الحالة التي لا يدخر السيسي وسعًا في تكريسها واقعًا وحيدًا وبليدًا.
على أن السيسي ليس وحده الذي يهين النيل، فمصريون كثيرون لم يكونوا أوفياء للنهر الذي يحتفلون بعيد وفائه كل عام، حيث نجحنا فى تحويله من شريان حياة إلى مقبرةٍ لجثث ضحايا الطغيان الذي يصفق له بعضنا، ومدفن لمخلفاتنا الأخلاقية والحضارية.. هل شاهدت في أي مكان في العالم من يلقى بالقمامة والحيوانات الميتة في النهر الذي يشرب منه؟.
قتل السيسي حتى يصل إلى الحكم، ووصل إلى الحكم حتى يقتل.. تلك هي المسألة باختصار، فالذي يريق دماء شعبه بهذه السهولة ليس معنيًا على الإطلاق بالدفاع عن المياه التي تحفظ حياة هذا الشعب، ذلك أن قطرة الدم عنده أرخص من قطرة الماء، فكيف تتوقع ممن أسس جمهورية الدم أن يكون حريصًا على النيل.
دخل السيسي مفاوضات سد النهضة ملطخًا بدماء المصريين، فعرف الطرف الآخر أنه أمام شخصٍ على استعداد لتقديم كل شيء حتى يستتب له الأمر، فلم يكن الجانب الإثيوبي بحاجة إلى ممارسة ضغوط أو مناورات، فالذي يفاوضهم جاء بلا أوراق، وبلا أدنى قدرةٍ على الممانعة. فقط يمتلئ برغبة عارمة في أن يكون حاكمًا لشعبٍ يحارب بعضه بعضًا، وينقسم كما لم يحلم ألد أعدائه، فوقع الجنرال على كل المطلوب منه، وأقام احتفاليةً مبتذلةً بالإذعان والتفريط.
ذهب إليهم السيسي بوصفه حاكمًا لدولةٍ انفصلت عن مدارها الحضاري، ولم تعد تعرف الحد الأدنى من الكرامة الوطنية، إذ لم نسمع عن رخص وانحطاط كهذين إلا مع نظامٍ يباهي بأنه دمية في أيدي صغار اللاعبين فوق رقعة التاريخ والجغرافيا.
ذهب مفاوضًا باسم البلاد التي تحوّلت من الدولة إلى شبه دولة تغوص في مستنقعات الدماء، لا هي تطفو، ولا هي تستقرّ في القاع، إذ تتخبّط عشوائياً في واقع هش، لم تنجح الصور اللامعة والمهرجانات الفاقعة في تجميله.
لم يعرف التاريخ دولةً تخوض معاركها المصيرية، وتدافع عن وجودها وهي منقسمة على ذاتها، وتستعدي نص شعبها على النصف الآخر، وتستعين بأعدائها لإخضاع بعض أبنائها وإفنائهم، وتشن حربًا مسعورة على صفوة عقولها، في السياسة والاقتصاد والعسكرية والثقافة.. دولة تهدر كل مواردها في الإنفاق على الرداءة والقبح.
النيل بالنسبة للسيسي هو المكان الذي تخلص فيه من جثث ضحايا أولى مذابحه، بعد أن أدار بنفسه مقتلة المسيحيين أمام مبنى ماسبيرو في مثل هذه الأيام من أكتوبر/ تشرين أول 2011، ليفيق المصريون على بحيرة دماءٍ تلامس حافة النهر الذي طفت على مياهه جثث القتلى بعد أيام من المجزرة.
النيل هو ممرّ السيسي المائي لافتراس جزيرة الوراق، وتدمير منازلها وتهجير سكانها، بالقوة المسلحة، كي يخلو له المكان لإقامة مشروعاته الإماراتية، تمامًا كما كان وسيلته للحصول على اعتراف أفريقي بسلطة انقلابه، حتى ولو كلفه ذلك أن يجرّ عربةً يعتليها نتنياهو لفتح أفريقيا، في زيارةٍ وصفتها دوائر السياسة الصهيونية بأنها تاريخية.
قلت سابقًا إن النيل لو نطق لصرخ فينا إنه لا يصدق هذه المناحة المنصوبة بمناسبة تحويل إثيوبيا مجراه وإقامة سدود تمنع تدفقه بكامل عافيته إلينا.. سيقول لنا إن من لا يحمى النهر من جرائم الداخل لن يكون في مقدوره حمايته من مخططات الخارج الخطرة، لأننا بأيدينا ارتكبنا جرائم فى حقه أكبر بكثير من توجهات إثيوبيا.
باختصار، لن يحسب الإثيوبيون حسابًا لمصر في مشروع سد النهضة، ما دامت مصر منقسمة إلى مصريْن وشعبيْن متحاربيْن، وهي الحالة التي لا يدخر السيسي وسعًا في تكريسها واقعًا وحيدًا وبليدًا.
على أن السيسي ليس وحده الذي يهين النيل، فمصريون كثيرون لم يكونوا أوفياء للنهر الذي يحتفلون بعيد وفائه كل عام، حيث نجحنا فى تحويله من شريان حياة إلى مقبرةٍ لجثث ضحايا الطغيان الذي يصفق له بعضنا، ومدفن لمخلفاتنا الأخلاقية والحضارية.. هل شاهدت في أي مكان في العالم من يلقى بالقمامة والحيوانات الميتة في النهر الذي يشرب منه؟.