04 نوفمبر 2024
القدس تحيي التحدّي الفلسطيني
لا يحسُن أن نستنزف أعصابَنا وأمزجَتنا بتصريف مشاعر الحنق على صمتٍ هنا، وتخاذلٍ هناك، وتواطؤ هنا وهناك، بشأن حال القدس الذي نعلم، وأوضاع الحرم القدسي الشريف الذي نرى على الهواء مباشرة. ذلك أن الموضوع صار أبعد وأبعد من أشياء كهذه، صار يعني أن طورا جديدا، وشديد الخطورة، تعبر إليه مسألة القدس كلها، بالمقدّسات الإسلامية والمسيحية فيها، بعروبتها وفلسطينيّتها أصلا وأساسا، وهو يتطلب، أولا وأخيرا، الإعلان صراحةً أنه لا جدوى من النظام الرسمي العربي، وفي مقدمته الفلسطيني الذي نعرف، ولا طائل منه، ولا رجاءَ يعوّل عليه، لا في قضية القدس ولا في غيرها. وتاليا الإقرار، للمرة المليون ربما، بأنه لا يمكن للقاع الذي يقيم فيه الحال الفلسطيني، فصائليا مثلا، أن يُسعف بشيءٍ بصدد الاستفراد الإسرائيلي الماثل بالقدس والأقصى، وهو استفرادٌ ينهض على استضعاف الفلسطينيين، وقيادتهم إياها، وعمقهم العربي والإسلامي المعلوم الحال. وما يجدر أن يظلّ قناعةً متوطّنةً ومركزيةً أن سلطات الاحتلال ليس غرضها منع المصلين من أداء فريضة الصلاة في الأقصى المبارك، فهذا لا يشغل بالها أصلا، وإنما الأمر هو فرض السيادة الإسرائيلية المطلقة على الحرم القدسي كله، وتغيير معالمه، وكذا معالم محيطه وجواره، بتقسيمٍ يتعزّز على الأرض، وفي المكان، بين مسلمين ويهود، ولضرب حق الفلسطينين بمدينتهم وعاصمة دولتهم، وبرعايتهم الروحية المكان المقدّس. وهذه بدعة البوابات الإلكترونية لا تعنى سوى إقامة أمرٍ واقع، لم يتوسّل وزير الأمن الداخلي، جلعاد أردان، أي لغةٍ دبلوماسيةٍ بصدده، لمّا قال إن السيادة على المسجد الأقصى لإسرائيل، وليس لأي أحد، الأمر الذي لم تعترف به أي دولة، ولم يتأتّى للمحتل أيُّ تأييدٍ له.
هنا موضع الموضوع كله، هنا مطرح المعركة التي يخوضها المقدسيون وأهل فلسطين، في كل جولات الصراع بشأن القدس مع سلطة الاحتلال التي تستقوي صلافتُها بما لديها من إمكاناتٍ عسكريةٍ وأمنيةٍ، وهذا تاريخ القدس يشهد على أن مربط الفرس هنا، منذ ثورة البراق في 1929 التي كانت ردا على ادعاءات حركة صهيونية بملكية حائط البراق، وهو الحائط الغربي للمسجد الأقصى، لليهود الذين يسمّونه حائط المبكى. وفي البال أن سجالات التفاوض المرير في كامب ديفيد، برعاية بيل كلينتون، بين ياسر عرفات وإيهود باراك، إنما تحطّمت بسبب رفض الجانب الفلسطيني الإقرار برعايةٍ إسرئيليةٍ على مطارح في الحرم القدسي.
ليواصل هذا الزعيم العربي وذاك اتصالاته الهاتفية مع الأميركان، ومع الإسرائيليين مباشرة أو مداورة، ولا مفاجأة من أخبار تواترت عن موافقة بعض هؤلاء على "البوابات الإلكترونية" حلا ينزع التوتر الحاصل، أو يهدّئه، في رهانٍ على الوقت، يتم فيه نسيان قصة القدس كلها، وإزاحتها عن صدارة نشرات الأخبار. ليصنع الزعماء العرب ما يريدون، فهذا كله ليس موضع اكتراث إسرائيل التي ما حفلت يوما بزعل حاكمٍ عربي، كنزا استراتيجيا كان أو بعض كنز استراتيجي. البادي قدّامنا أن الناس، أهل فلسطين، مسلميها ومسيحييها، بفاعلياتهم الشعبية، وبمشاعرهم الدينية الأقوى من كل شيء، هم الذين يختارون طرائق المواجهة وأساليبها، هم الذين يتولون أمر رد التدبير الإسرائيلي إلى أوهامه الفاشلة. وما شوهد أمس، من حشد المصلين في ميادين القدس وشوارعها، وعلى مقربةٍ أحيانا من الأقصى نفسه، موصولٌ أساسا بكفاحٍ مديد، تُكابر إسرائيل، وتضحك على نفسها، عندما تتوّهم أنه يمكن أن يتوقف، أو يضعُف، كرمى لعين فلان أو علان، لم ير ضيرا في العبور إلى الصلاة من بوابةٍ إلكترونيةٍ إسرائيلية.
هل في وسع هذه الحالة الفلسطينية أن تقوى، وتستثمر كل إمكانات الصلابة الداخلية فيها؟ هل في مقدور قياداتٍ أهليةٍ وروحيةٍ وميدانيةٍ، شبابيةٍ وأخرى مجرّبة، أن تأخذ هذه الحالة الفلسطينية التي تجلت صورةٌ بديعةٌ منها أمس إلى أطوار أخرى من تنويعاتٍ كفاحيةٍ انتفاضيةٍ ثورية، مدنية وسلمية، صبورة ودؤوبة، مرابطة ومثابرة؟ هل سنعاين ظرفا فلسطينيا مستجدّا، يبدأ في تكسير ما تراكم طويلا من جدران اليأس والإحباط، فيُحيي أنفاس التحدّي، الباقية دائما إن شاء الله، في مواجهة الاستكبار والبغي الإسرئيليين؟ هي أسئلةٌ برسم الأيام المقبلة، والتفاؤل قائمٌ بداهة، كما الإيمان بقدرة شعب فلسطين على اجتراح البديع فيه، والأصيل الدائم فيه.
ليواصل هذا الزعيم العربي وذاك اتصالاته الهاتفية مع الأميركان، ومع الإسرائيليين مباشرة أو مداورة، ولا مفاجأة من أخبار تواترت عن موافقة بعض هؤلاء على "البوابات الإلكترونية" حلا ينزع التوتر الحاصل، أو يهدّئه، في رهانٍ على الوقت، يتم فيه نسيان قصة القدس كلها، وإزاحتها عن صدارة نشرات الأخبار. ليصنع الزعماء العرب ما يريدون، فهذا كله ليس موضع اكتراث إسرائيل التي ما حفلت يوما بزعل حاكمٍ عربي، كنزا استراتيجيا كان أو بعض كنز استراتيجي. البادي قدّامنا أن الناس، أهل فلسطين، مسلميها ومسيحييها، بفاعلياتهم الشعبية، وبمشاعرهم الدينية الأقوى من كل شيء، هم الذين يختارون طرائق المواجهة وأساليبها، هم الذين يتولون أمر رد التدبير الإسرائيلي إلى أوهامه الفاشلة. وما شوهد أمس، من حشد المصلين في ميادين القدس وشوارعها، وعلى مقربةٍ أحيانا من الأقصى نفسه، موصولٌ أساسا بكفاحٍ مديد، تُكابر إسرائيل، وتضحك على نفسها، عندما تتوّهم أنه يمكن أن يتوقف، أو يضعُف، كرمى لعين فلان أو علان، لم ير ضيرا في العبور إلى الصلاة من بوابةٍ إلكترونيةٍ إسرائيلية.
هل في وسع هذه الحالة الفلسطينية أن تقوى، وتستثمر كل إمكانات الصلابة الداخلية فيها؟ هل في مقدور قياداتٍ أهليةٍ وروحيةٍ وميدانيةٍ، شبابيةٍ وأخرى مجرّبة، أن تأخذ هذه الحالة الفلسطينية التي تجلت صورةٌ بديعةٌ منها أمس إلى أطوار أخرى من تنويعاتٍ كفاحيةٍ انتفاضيةٍ ثورية، مدنية وسلمية، صبورة ودؤوبة، مرابطة ومثابرة؟ هل سنعاين ظرفا فلسطينيا مستجدّا، يبدأ في تكسير ما تراكم طويلا من جدران اليأس والإحباط، فيُحيي أنفاس التحدّي، الباقية دائما إن شاء الله، في مواجهة الاستكبار والبغي الإسرئيليين؟ هي أسئلةٌ برسم الأيام المقبلة، والتفاؤل قائمٌ بداهة، كما الإيمان بقدرة شعب فلسطين على اجتراح البديع فيه، والأصيل الدائم فيه.